هذا السؤال الوجيه طرحه أحد الأصدقاء تعليقا على تحذيري من مشروع أمريكي لتغيير الدستور العراقي كلف به عمار الحكيم
الأمر ليس بهذه البساطة. فالدستور، كأية وثيقة اتفاق، يحدد نصها موازين القوى الموجودة على الساحة وقت كتابتها. و وقت كتابة الدستور، لم تكن سلطة السفارة مطلقة، فقد كان هناك ساسة لم يرتعبوا بعد، وشعب لم يرهقه الإرهاب وفقدان الأمل، وكانت هناك مقاومة في المدن، وكانت اميركا تريد اظهار نظامها كنظام ديمقراطي لكسب الشعب ضد المقاومة، واخيرا وليس آخرا كانت هناك مرجعية تتكلم وتتدخل وتشترط موادا وتطالب بانتخاب لتحديد لجنة الدستور!
ما هي موازين القوى اليوم؟: سلطة نجهل حدودها للسفارة، ساسة تم بيعهم بالجملة بحيث انه من الصعب ان نسمي سياسيا واحدا شريفا بدون مئة علامة استفهام. انتهاء المقاومة وامتلاك معظم قياداتها قصورا. فساد مهول في الوقفين السني والشيعي وتضخم مخيف في الأموال. مرجعية محاصرة صامتة عن اي شيء يؤثر في الصراع مع الاحتلال. عتبات مخترقة تتابع فضائحها بلا توقف عن علاقات مشبوهة مع الاحتلال. شعب مرهق ومرعوب من صعود الدولار تم تشويه صورة الساحة لديه فلا يرى سوى الخطوط الطائفية، ولا يسأل عن شيء غيرها هي والدولار، ولم تعد العمالة للسفارة عنده أمرا معيبا بل صار يسميها "واقعية"، ويتصور من يزدريها بأنه يريد فقط اسقاط الحكومة..
إذا قارنا بين موازين القوى حين كتابة الدستور، والآن، نستنتج أننا خسرنا كثيرا، وأن اي تغيير في وثيقة الدستور، لن يكون إلا لأعداء البلد - محتليه وعملائهم. وهذا يجب ان يقلقنا. ويؤكد قلقنا أن من يروج له هو من أقدم اصدقاء المحتل واقربهم اليه.
صحيح ان الدستور كتب بإشراف امريكي شديد، لكن بريمر كان تحت ضغوط لم تعد السفيرة اليوم تعاني منها، وبالتالي فهي اكثر حرية في صياغة مواد أشد ضررا وتقييدا للبلاد واثارة للمشاكل فيها.
ولعل افضل ما يمكن عمله من اجل توقع المواد المستهدفة من الحملة، هو مراجعة عامة للدستور لتحديد اية مادة ايجابية مؤثرة، باعتبارها مرشحة للاستهداف.
لكننا نكتفي الآن بمراجعة من الذاكرة، فنجد العديد من الاهداف المحتملة.
فالدستور مثلا ليس فيه مواد طائفية كما في دستور لبنان، رغم ان الطائفية السياسية جرى تطبيعها، والفضل الأكبر في ذلك يعود الى ما يسمى "المقاومة" وساسة "الإطار التنسيقي" الذين يسمون انفسهم "الإطار الشيعي"، وكذلك قناة المقاومة "العهد" ومن تستضيف وما تستعمل من عبارات تصل الى حد تزييف الأقوال لتضيف لها نكهة طائفية. وصار رسم الخارطة السياسية على خطوط الطائفية امرا بديهيا لا يكتفي الجمهور بقبوله، بل بالسخرية ممن يحذر منه. والآن يحتمل انهم رأوا ان يثبتوا ذلك الخلل الخطير في نصوص الدستور. ولو انهم فعلوا ذلك حينها لكانت المرجعية على الاقل ستعترض.
خلل آخر خطير قد يكون تثبيته هدفا هو اللامركزية المتحركة نحو تقسيم البلاد، والسعي لزيادتها بنص دستوري. ولنتذكر انهم حاولوا حين جاءوا بعميلهم العبادي عنوة، ان يحولوا الجيش العراقي الى "جيوش محافظات" اسموها :الحشد الوطني كما اذكر، لكنها فشلت. كذلك لا يستبعد اضافة نص يحرم على الحكومة بشكل اوضح، أي نشاط انتاجي واشتراط تركه للقطاع الخاص. من المحتمل جدا ايضا اضافة نص دستوري يجعل منع كردستان من تصدير نفطها مستحيلا.
وهدف آخر محتمل هو تغيير الدستور ليسمح بمواد قانون "شركة النفط الوطنية" التي كان عراب الترويج لها مصطفى سند، والتي سقطت جميع مواد قانونها باعتبارها مخالفة للدستور وقرر مستشار المحكمة الاتحادية بأنها خطر شديد على ثروة البلاد وتعرض البلاد لخطر الحروب الأهلية بين المحافظات.
في كل الأحوال، ما يهمنا ان نقول، ان اي تغيير لأي قانون او اتفاق في الوقت الحالي لا يمكن إلا أن يكون مضادا للعراق، وخاصة ما يتعلق بالدستور! فصوت العراق اليوم في اية مفاوضات أو صراع هو صفر! واعداءه في حالة حرية مطلقة في كتابة ما يريدون.
نعم يمكن ان يكتب الامريكان دستورا فيه مواد ايجابية ان كانوا تحت الضغط كما كان بريمر يوم كتابة الدستور، ولا يمكن ذلك اليوم والسفيرة تشعر انها إله مطلق الحرية وعملاؤها محميين من الشعب نفسه. باختصار: إنه انسب وقت للسفارة لإعادة كتابة الدستور، وأسوأ وقت بالنسبة للعراق!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق