في سالف العهد والأوان، وقبل اختراع النافكيتر والكوكل مابس، كنا
نستعين بالخرائط. وفي يوم ما كنت اقود السيارة في فرنسا قريبا من الحدود البلجيكية
في طريقي الى هولندا. والمفروض حسب الخارطة اني متجه الى مدينة "برخن"
البلجيكية، لكن حسب علامات الطريق السريع الفرنسي، لم تكن هناك اية مدينة بهذا
الإسم او حتى قريبة منه! بعد معاناة طويلة وتلف أعصاب خشية ان اكون قد اضعت طريقي،
قررت الاستمرار في الطريق، لأكتشف فيما بعد ان الإسم الفرنسي للمدينة كان
"مونس"!! (للمدن البلجيكية أسماء فرنسية وهولندية\او المانية، وكل جهة
تتعمد عدم الإشارة الى اسم الجهة الثانية إمعانا في سلبها "البرستيج"!).
تذكرت
هذا وأنا اقرأ الخبر الذي نشرته وكالات الانباء الإيرانية "فارس" و
"إرنا" ينقل عن وزير الخارجية أمير اللهيان استدعائه للسفير العراقي
احتجاجا على استخدام "الإسم المزور" للخليج الفارسي، وان السلطات
العراقية استخدمت "مصطلح وهمي" بدلا من الخليج الفارسي، وبوجوب استخدام
"المصطلح الدقيق والكامل" لـ "الخليج الفارسي" وان
"الشعب الإيراني العظيم" حساس لهذا الأمر.
سأبين
في هذه المقالة لماذا أرى موقف عبد اللهيان خاطئ تماما، وليس في الامر أي إهانة للشعب
الإيراني، وبالتالي فأن تصرفه وعباراته لا مبرر لها وتؤشر مشاعر مقلقة.
بمراجعة
الحالات المشابهة في العالم وجدت الكثير من الصراع على أسماء البحار والمناطق
والمدن وحتى البلدان. لكن دعونا لنبدأ من المنطلقات في التسميات. "الخليج
العربي" او "الخليج الفارسي"، بحيرة كبيرة عاش على جانبيها شعبان
منذ قديم الزمان، فما اسم هذه البحيرة؟ من يحق له ان يطلق عليها اسمها؟ من يحق له
ان يفرض الاسم الذي يريده على الجميع؟
الشعب
الأقدم والأعرق؟ ليس هناك شعب "اقدم" من شعب، فكل البشر من اصل واحد
وبالتالي فكل انسان له نفس الجذور القديمة.
الشعب
الذي سكن سواحل البحيرة قبل الآخر؟ لا ندري من فعل ذلك أولا، فالأمر يعود لزمن قبل
ان يعرف احد الكتابة..
ماذا لو
وجدنا الأدلة التاريخية التي تقول ان الشعب "أ" سكنها قبل الشعب
"ب"؟ إنه لا يعني شيئا، لأننا يمكن ان نجد غدا رقما طينية تقول العكس،
فهل سيتم قلب الاسم كلما وجد رقم طيني مختلف؟
وحتى لو
عرفنا بشكل حاسم، وكان احد الشعبين قد سكن عند البحيرة قبل الآخر، وجاء شعب بعده
وسكن الجانب الآخر، واطلق على البحيرة اسما يسميها به حين يتحدث عنها، هل من حق
الشعب الأول ان يحتج بأنه جاء أولا وانه اطلق عليها اسمها؟ لا أتصور ان هناك من
يفعل هذا لأنه سيجعل من نفسه مضحكة للآخر! فكل شعب (عظيم او غير عظيم) يطلق
الأسماء على الأشياء لتساعده على التعرف والتذكر، وهو ليس مضطرا لاستعمال أسماء
يستعملها شعب آخر (عظيم او غير عظيم)، وبشكل خاص إن لم يكن الشعب الآخر يمتلك الشيء
المسمى!
سيكون
مفيدا أن يطلق الجميع نفس الإسم على الشيء، فهذا يساعد على التفاهم، لكن ان لم
يتفقوا، فليطلقوا ما شاءوا من الأسماء! فمن الأفضل ان يطلق الجميع اسم "البحر
الأحمر" على نفس البحر، وكذلك "البحر الأسود"، (لما حصلت لي تلك
الحيرة على الطريق السريع) لكن إن اطلق البعض الأسماء بالعكس، فسيكون هناك تشوش في
التفاهم معهم، إنما لا سبيل لإجبارهم على ان ينسجموا مع الآخرين، خاصة ان لا أحد
يملك أي من البحرين ليتحجج بملكيته لحق تسميته، وما لم يكن في الإسم إهانة مباشرة
لأحد.
بين
اليابان والكوريتين كان هناك صراع حول اسم "بحر اليابان" او "بحر
كوريا" او "بحر الشرق" كما تسميه الكوريتان. اليابان أصرت على اسم
"بحر اليابان" وقدمت الدراسات والخرائط القديمة لتثبت ذلك، وطبعا رفضت
اسم "بحر الشرق" على بحر يقع إلى الغرب منها، بينما أصرت الكوريتان أن
المقصود هو "شرق آسيا"، وان اسم "بحر اليابان" فرض في فترة
احتلال اليابان لكوريا. لم ينجح أي من الطرفين بإقناع الآخر بالتخلي عن الاسم الذي
يتبناه، وحاولت جهة دولية ان تقنعهما بتسميته بـ "بحر السلام" أو
"بحر الصداقة"، دون جدوى، فبقي كل يسميه بما شاء! وحاولت الجهات الدولية
مراعاة التسميتين، ووضعت كوكل اسم "بحر اليابان" قرب الساحل الياباني
للبحر و "بحر الشرق" قرب سواحل الكوريتين، على سبيل المثال.
قد ترى
انها لعبة أطفال لا تجدر بشعوب وقياداتها، لكن انتظر حتى تعرف ما يسمى بـ
"حرب خط الفصل" (خط صغير يربط او يفصل كلمتين). فبعد التظاهرات
البنفسجية (الامريكية) التي اسقطت حكومة جيكوسلوفاكيا، قررت الحكومة الجديدة اسقاط
كلمة "الاشتراكية" من الإسم. ثم دار صراع بين الجيك والسلوفاك، حين طالب
السلوفاك ان يوضع خط ربط (او فصل) داخل الكلمة ليبين انهما شعبين، لتصبح
"جيكو-سلوفاكيا" لكن الجيك رفضوا بشدة، وأخيرا اتفقوا على ان يعطوا
البلد اسمين، واحد باللغة الجيكية يكتب بدون فاصلة: "جيكوسلوفاكية" وآخر
باللغة السلوفاكية بشكل جيكو-سلوفاكية! واستمر الأمر الى ان انفصلت الدولة الى
دولتين.
بالعودة
الى استدعاء ايران للسفير العراقي اثر اقامته بطولة "خليجي 25" (رغم ان
اسمها لا يذكر "العربي"!) نجد انه تصرف بلا معنى تماما، خاصة ان أحدا لم
يعترض على إقامة ايران البطولة الرياضية "الخليج الفارسي"! إضافة لذلك
فمطالبة الحكومات العربية تبني اسم "الخليج الفارسي" رغم ان الشواطئ
العربية عليه لا تقل عن الإيرانية بل ربما تزيد، طلب تعجيزي مستحيل ومؤذ لإيران في
كل الأحوال. مؤذ لإثارتها الشعور بالمهانة لدى الشعوب العربية المتعودة على الإسم
العربي مثلما الشعب الإيراني متعود على اسمه أولا. ولأنها سوف تستغل من قبل
الحكومات المعادية، بشكل ممتاز لإعطاء صورة سيئة وعدوانية لإيران من قبل الحكومات
المعادية لها. أما الحكومات الصديقة لها فستكون في حيرة من امرها. إن رفضت فسوف
تزعل ايران، وان قبلت تلك الحكومات بتسمية الخليج الفارسي فسوف تظهر تابعة لإيران!
فأين مصلحة ايران في ذلك، وأين الدبلوماسية الإيرانية التي تتقرب من جميع الدول
حتى المعادية لها والمطبعة مع إسرائيل والتي لا تتورع عن التآمر عليها، كما يصرح
عبد اللهيان سعيدا بتطبيع العلاقات مع السعودية، بينما اكتب هذه الكلمات؟ ولماذا
تخرب علاقاتها مع الدول العربية الصديقة والشعوب العربية الصديقة؟ ومن اجل ماذا؟
لنتذكر
ان الإسم هو مسألة شكلية فقط ولا يتضمن أية حقوق على الإطلاق، وإطلاقه يكاد يكون
اعتباطيا بلا معنى أحيانا كثيرة.
ان
المقامة الطويلة عن "الإسم المزور" و "الوهمي" (الذي يتجنب
عبد اللهيان مجرد ذكره وكأنه نجاسة!) لـ "الخليج الفارسي" ("الاسم
الدقيق والكامل") وحساسية "الشعب الإيراني العظيم"، أمور لا معنى
لها وهي كلام فارغ منتفخ ومتعال على الآخرين، لا يجدر بحكومة إسلامية ان تتبناه،
خاصة بوجه شعوب إسلامية أخرى مجاورة!
ولنتذكر
ان الإمام الراحل آية الله الخميني، كان قد اقترح اسما مشتركا هو اسم "خليج
الإسلام"، فهل هذا أيضا "اسم وهمي"، "مزور" و ليس
"دقيق وكامل" و يثير "حساسية الشعب الإيراني العظيم"؟
لماذا
تسير الخارجية الإيرانية هنا بالعكس من مسيرة الإمام الخميني وعكس روحيته
وتوصياته، بل وحتى ان يتضمن إهانة غير مباشرة لها واهانة للشعوب الإسلامية
المجاورة؟ هل هي مجرد "خطأ" تقدير، ام هو اختراق اخر من الاختراقات
الغربية للقيادات الإيرانية، لدفع ايران باتجاهات أخرى بعيدة عن مبادئ الثورة
الإسلامية التي وضعها للإمام؟ قد يحق لكم اتهامي بالمبالغة، لولا خطورة ما يحدث في
إيران، وكثرة المتآمرين الذين يتم القبض عليهم، وآخرهم كان نائبا لوزير الدفاع
السابق "شمخاني"، للشؤون الدولية! فعندما يصل الاختراق الى هذا المستوى
ويبقى سنينا، فلا بد أنه قد "فرّخ" الكثير من القيادات قبل أن يذهب،
ونتمنى ان يصل هذا الأمر الى اسماع السيد الخامنئي، ونتمنى للثورة الإسلامية
الإيرانية العظيمة، السلامة، فهي راية الاستقلال في المنطقة، وكل ما قد يصيبها،
يقلقنا بشدة.
المياه الاقليميه في الجانب العربي هي خليج عربي وعلى الجانب الايراني هي خليج فارس وفيما بينهما مياه اقليميه دوليه ولاتتاثر الحدود البحريه باي تسميه يتبناها هذا اوذاك..كلام السيد عبد اللهيان احرج اصدقاء ايران العرب والب الاخرين عليها لاننا نفترض تعامل ايران مع الاشياء من منطلق اسلامي لايتعصب للقوميه
ردحذفايران نجحت في الصناعة وفي الزراعة وفي السياسة، وفي العسكر، وفي الاستخبارات، و.....و.......ولكنها فشلت ومازالت فاشلة في الاعلام.
ردحذفالفشل الاعلامي آمرٌ محيّر، وما يحيّر أكثر هو الغفلة عنه والاصرار عليه، بالرغم من آثاره المدمّرة على سمعة ايران بل على مبادئ الثورة الاسلامية ومنهج الامام الخميني الذي لم يذكر ولا مرّة واحدة في حياته عبارة ( الخليج الفارسي).
تسأل ما الذي تجنيه ايران من هذا الاصرار على كلمة الفارسي؟
الجواب: تجني الخسارة على كل صعيد في علاقاتها الاقليمية، وتحرج كل حلفائها واصدقائها، وتؤثر حتى على صراعها مع امريكا وحلفاء امريكا، وتعطي للابواق المعادية نغمةً تعزف عليها لمدة طويلة، وتخرّب علاقاتها مع كل من يفكر بالاصطفاف معها في الحرب التي يشنها عليها الغرب على كل صعيد.
للاسف لا توجد طريقة لاقناع الايرانيين بخطأ هذا التوجّه، فقد خابت جهود سابقة في هذا السبيل
واذا عجز الامام الخميني عن اقناعهم بهذا الامر فلا اتوقع من غيره النجاح....هذا ثقب اسود في العقل الايراني