الثلاثاء، 15 نوفمبر 2022

قيادة البلد في الاحتلال وقيادة السيارة في العاصفة - صائب خليل

دافعي لهذا المقال هو ما جرى من جدل حول مواقف رئيس الحكومة السوداني ونقدها. وقبل ان ابدأ اريد ان أوضح اني لم اغير رأيي كثيرا بالسوداني، وما أزال أرى ان الإطار حقق انتصارا اوليا مهما بالإصرار على توليته، وأنه أفضل بكثير من كل من أتى بعد المالكي، بل هو على الأغلب افضل من المالكي في الكثير من المقاييس.. ولكن كل هذا لا يكفي!



في الديمقراطية الحاكم الحقيقي هو الشعب، وما الحكومة الا أدوات لتنفيذ حكمه، او هكذا يجب ان تكون قدر الإمكان. ولأننا الحكام المفترضون، يجب ان نفهم، ولو بدرجة بسيطة، ظروف البلد، وأدوات الحكم وكيف تعمل. لنشبه البلد بسيارة، نحن من يقودها، ونحن من يقرر الى اين تأخذنا، عجلاتها والمحرك هي الحكومة (الأداة التنفيذية) ومقودها الذي يفترض ان نمسك به، هو الإعلام ومجلس النواب وعملية الانتخاب وغيرها من المؤسسات التي توصل تأثيرنا على توجيه سير السيارة (الوطن).

في الحالة الطبيعية سيجري كل شيء على ما يرام، وتسير السيارة بنا الى الأمام، لا نحتاج الا الى بعض التعديل في مسارها بين الحين والآخر. وإذا كانت عجلات السيارة (الحكومة) سليمة "الميزانية" (بلغة الفيترجية)، فيمكننا حتى ان نترك مقود القيادة قليلا ونريح يدنا، دون ان تنحرف السيارة، لأن "الميزانية" السليمة تقاوم الانحراف بعض الشيء وتسعى لإبقاء السيارة مستقيمة السير. لكننا لسنا بحالة طبيعية، فلدينا مشكلتان خطيرتان:
1- اننا بلد تحت الاحتلال
2- أن محتلنا لا يريد استغلالنا فقط، بل يضع تدميرنا التام هدفا مركزيا له ويصرف الأموال عليه!

فإذا شبهنا الدمار الذي يريده المحتل لنا، بالسقوط في هاوية (لنقل انها على يمين الطريق)، فأن هذا المحتل سيعمل كل ما يستطيع ليحرف السيارة الى اليمين، بما في ذلك اقناع السائق (الشعب) ان الانحراف الى اليمين هو الأسلم (عن طريق الإعلام المضلل)، وكذلك شد عجلات ذات "ميزانية" منحرفة تدفع بالسيارة الى اليمين (مثل مجموعة العملاء بين المالكي والسوداني)، بحيث يحتاج الشعب الى كل جهده ووعيه لمنع انزلاق سيارته إلى الهاوية. وعدا ذلك، فالسفارة تعمل بشكل ريح شديدة قادمة من اليسار لتدفع بالسيارة الى الهاوية في اليمين، ولتزيد صعوبة القيادة والبقاء في الطريق، على الشعب.

ورغم ان كل الحكومات بين المالكي والسوداني كانت عميلة بمعنى الكلمة، إلا ان العمالة وصلت قمتها المطلقة بصديق أبو حسن، والذي كان خادما مطيعا للسفارة، وعمل كل ما يستطيع لإلقاء السيارة في الهاوية على اليمين، وتسبب في تخريب كبير، ربما يزيد عن مجموع بقية العملاء، مازال تأثيره غير واضحا ولا نتائجه.

ماذا حدث الآن؟ ليس لدينا مؤشر من خلال التاريخ، أن السوداني هو عميل للسفارة مثل سلسلة العملاء، ومن حقنا ان نفترض انه بريء من ذلك. إذن صارت لدينا عجلات ذات "ميزانية" سليمة! وهذا مكسب كبير جدا وعزيز جدا، فلم نتمكن من الحصول على مثل تلك العجلات منذ ثلاث تبديلات للعجلات، كان كل مجموعة منها أسوأ مما قبلها!

هل يكفي هذا لنطمئن أن السيارة ستسير في الطريق المستقيم؟ هل يمكننا ان نعتمد على سلامة "ميزانية" العجلات لنترك المقود قليلا ونريح أيدينا من الضغط؟ ان نغمض عيننا لحظة عن "مراقبة" سيارتنا أن كانت تسير باستقامة الى أمام؟ لا.. فريح السفارة تصفر وتعوي وتدفع بالعجلات بشراسة الى الهاوية، و "ميزانية" الرجل الشريف الكافية لحفظ استقامة السيارة في الجو الهادئ، لن تكفي وحدها في عاصفة السفارة العاتية.

إن من يدعونا اليوم لعدم "الضغط" عل السوداني، وتأييد الاتجاه الذي يختاره للبلاد لأنه رجل شريف، يشبه من يدعونا الى ترك المقود وعدم الضغط عليه لأننا صرنا نملك عجلات سليمة "الميزانية"، ويجب ان نثق بقدرتها على السير بـ"البلاد" في الطريق المستقيم!
لا.. هذا غير صحيح، فالاعوجاج لم يكن متأتيا من العملاء فقط، بل من ضغط السفارة على كل شي، لإسقاط البلد وتدميره. هذا الضغط لم يتوقف في اشهر حكم الجعفري ولا المالكي ولن يتوقف في عهد السوداني. وأدوات السفارة كثيرة جدا للضغط.

العاصفة مازالت وهي في اشدها، خاصة بعد جهود الكاظمي، لذلك يجب استمرار المراقبة واستمرار القبض على المقود بقوة ومراقبة أي مؤشر انحراف للسيارة لتوجيه الضغط المعاكس وتعديله فورا وبأقرب وقت، وليس ان نمنح "عجلاتنا" الجيدة الوقت لتستقيم بنفسها، فهي لن تستقيم بنفسها داخل العاصفة. وهي "تحتاج" الى ضغطنا المعاكس لنعدلها، وهو واجبنا، وليس ان نتركها لوحدها لتدبر امورها تحت ضغط العاصفة بنفسها!

هل هناك مؤشرات ان السوداني يتململ للانحراف بالسيارة الى حيث تريد السفارة؟ نعم هناك.. هذا الكلام المفرط عن القطاع الخاص، وكذلك مشاريع "الصناديق" المشبوهة التي فشلت السفارة بفرضها بمشروع شركة النفط الوطنية المدمر، هي مؤشرات انحراف خطيرة. كذلك الاستعراضية في العمل (زيارة المستشفيات) مؤشر أيضا ان السوداني قد يحاول الاستعاضة عن التغيير الفعلي، بإعطاء "انطباع شكلي" عن وجود ذلك التغيير، وتضخيمه من خلال بثه في الإعلام، كما يفعل كل من يعجز عن تقديم الفعل الحقيقي، كما هو الحال مع الدكتاتوريات والمحتالين والعاجزين. كل هذه مؤشرات إن لم تكن على تأثير السفارة، فعلى خلل داخلي في السوداني نفسه، وفي كل الأحوال تتطلب الضغط المعاكس اللازم للتصحيح.

إن السوداني بتقديري رجل شريف، لكن الحصول على رئيس حكومة شريف لا يقود البلد وحده الى بر الأمان، إنما "يمنح الفرصة" لنا لنقوم بتلك القيادة نحو الأمان، من خلال أداء واجبنا في المراقبة والتصحيح والضغط. ولم يكن هذا ممكنا تحت حكم العملاء، فليس لدى الشعب أداة يضغط بها على عميل لعدوه.

وإن تركنا تشبيه السيارة وعدنا للبشر، فإن الانسان، حتى الشريف، يميل الى المراوغة ان تعرض للضغط الشديد، فيحاول ان يقنع نفسه بمختلف الحجج لكي يستسلم كليا أو جزئيا لذلك الضغط. وما لم يجد ضغطا معاكسا فسوف يصعب عليه ان يقاوم إغراء المراوغة لزمن طويل، فيستسلم! أما حين يكون هناك ضغط مقابل، سريع ومنتبه ومراقب، فسيختفي هذا الإغراء او يخف، وعندها يستطيع الشريف المقاومة وأن يعود الى طبيعته وما يرشده اليه ضميره، ليسير في خط مستقيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق