الأربعاء، 23 نوفمبر 2022

حكومة السوداني سمسار للقطاع الخاص - صائب خليل

 قبل عشر سنين أتيح لي ان احضر مؤتمرا في بروكسل، خصص للتبرع لدعم الحكومة المولدافية الجديدة بعد اسقاط حكومتها الشيوعية المنتخبة، عن طريق التظاهرات الامريكية (كما فعلوا في أوكرانيا والعراق ويحاولون في ايران) وكنت اجلس على نفس طاولة وزير الزراعة الجديد “فاليريو كوزارتشك” المتحمس لليبرالية.



سألته عما سيفعلون بالأموال التي سيحصلون عليها، فانطلق يتحدث عن بناء المدارس وتطوير التعليم وبناء الطرق والمصانع مؤسسات الرياضة والشباب، وكيف سيقضون على البطالة الخ. وحينها وجدت فرصة للمشاغبة، فسألته: “لكن ما فرق هذا عن الاقتصاد المخطط، او الشيوعي؟”.
سكت قليلا للمفاجأة فأكملت: “ألا يفترض بكم كليبراليين، أن لا تتدخلوا في الاقتصاد، وتتركوا الأمر للقطاع الخاص ليقرر وفق حرية السوق، فيبني المدارس إن كان السوق بحاجة لها، وكذلك المعامل وخدمات النقل والصحة وغيرها؟
شعر الرجل انه تورط. فهو لا يستطيع ان ينفي الحقيقة المبدئية لليبرالية التي يفاخر بها على الشيوعيين من جهة، ومن جهة أخرى هي لا تسمح باستعمال ثروة البلد بشكل مخطط لكي يعدوا الناس بأي شيء! كما أنه لا يستطيع ان يقول إن عملهم سيكون فقط تقديم الأموال المستحصلة من التبرعات، إلى الأثرياء والقطاع الخاص وتأمين البنية التحتية للشركات، وهو الذي يحدث دائما في مثل هذه الحالات!

تذكرت هذه الحادثة وانا اقرأ تصريح "وزير العمل" بحكومة السوداني بخطة الحكومة لتوفير "عشرات الآلاف من فرص العمل" في القطاع الخاص! والحقيقة ان هذا التصريح لا يمكن ان يكون جادا، فليس هناك سلطة للحكومة على القطاع الخاص لتعرف كم سيشغل من العاملين ولا في أي قطاع. وإن كانت هناك سلطة فلن تكون الا بضخ أموال حكومية هائلة لإقناع القطاع الخاص ليتجه الى ما هو ليس مقتنع به، وفي هذه الحالة لن تكون "حرية سوق" حقيقية، (لأنك حسب النظرية يجب ان لا تؤثر على اتجاه السوق، لا بالضغط ولا بالأموال او غيرها) كما ان مثل هذه الحالة المصطنعة لن تدوم طويلا، وعلى الأغلب سيجد القطاع الخاص طريقة للاستفادة من الأموال الحكومية والأراضي والتسهيلات، ثم يجد طريقة للانتقال الى ما يريد ولو بالرشوة، او يحول أمواله ويعلن افلاسه الخ.

أن أي مسؤول حكومي، يعد بفرص عمل، دع عنك ان يحاول تحديد حجمها، عن طريق القطاع الخاص، هو محتال وكذاب، وهو يعمل اما بضغط من السفارة مباشرة أو بضغط من حكومة تسيرها السفارة، او بطموح فساد شخصي.
السفارة تدفع بالبلد في هذا الاتجاه وتضغط بشدة، لشعورها بضرورة تبديد الأموال المتراكمة من الزيادة المجنونة بضخ النفط وارتفاع أسعاره، وخشيتها ان يتم استغلال بعضها لبناء شيء في هذا البلد لشعبه، ومنع ذلك هو الهدف الأول من وجود السفارة الامريكية، وهي تدفع لموظفيها بآلاف مؤلفة رواتب باذخة بلا هدف سوى هذا الهدف.

لا يوجد حل للبطالة الا بمشاريع إنتاجية حكومية، والمفروض بوزير "عمل" ان يكون له "عمل"، وليس ان يقتصر على وعود للشعب بجنة "القطاع الخاص". المفروض بالوزراء أن يكونوا وزراء لا ان يقضوا ثلاثة ارباع وقتهم بمهمات "تبشيرية" بالقطاع الخاص "المخلص"! ان الحكومة المنتخبة ديمقراطيا يجب ان تمثل الشعب وأن تشعر بمسؤوليتها بأن تقود البلاد في مختلف المجالات بالاتجاه المحدد الذي اراده الشعب الذي جاء بها، ومن أهمها الاقتصاد. فتستعمل أموال الشعب لتبني بها بلاده وفق ما وعدته به، لا ان تكون سمسارا يأخذ أموال النفط ليسلمها لـ "القطاع الخاص" ويترك له ان يبني البلد! لماذا انتخاب حزب معين او حكومة معينة إذن؟ ما فرق هذا عن ذاك، إذا كان عمل الحكومة الوحيد ومهما كانت تلك الحكومة، هو ان يدور وزراءها على السفيرة الامريكية واحدا واحدا، لتوجههم بتسليم أموال النفط للقطاع الخاص؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق