حتى نفهم المعادلة الغريبة، لازم نتخيل "المفاوضات" بين كردستان وحكومة بغداد، وانا اتخيلها بالشكل التالي تقريبا، ونبدأ بالمنطلقات:
1- "كل ما يصل كردستان من بغداد هو نهيبة، مهما كان المبلغ، وليس فيها درهم واحد حق"! (هذي اثباتها سهل جدا)2- ان الطرفين يعرفان هذه الحقيقة، وانها سرقة حق بقية مواطني العراق لصالح لصوص كردستان وشركائهم الدوليين.
3- الطرفان يعرفان ايضا انها "خاوة" يجب على الحكومة دفعها ثمنا للكرسي، لأن وراء الموضوع امريكا، وربما اسرائيل، وأن الحكومة ستعرقل إذا عاندت.
4- كل من الطرفين يعرف ان من مصلحة الآخر ان تمر هذه الخاوة كما مر الذين من قبلها، يمكن أكثر أو أقل.
5 -"المفاوضات" (إن صح التعبير، على قولة مقتدى) تجري فقط حول هذي "الأكثر والأقل". لصوص كردستان طبعا يريدون أكثر ما يمكن، اما منبطحي بغداد فيفضلون تقليلها حتى يقللوا الإحراج امام ناخبيهم المستغفلين، لكنهم جاهزين للتساهل.
على هذه الأرضية تجري "المفاوضات" (ان صح.. ). فيطلب لصوص كردستان كل المطالب المعقولة وغير المعقولة (مبدأ تفاوضي سليم)، ويتظاهرون بالغضب ويمدحون الحكومة السابقة وكيف اعطتهم الخ.
منبطح بغداد يرد بأن هذا صعب جدا ومحرج له أمام ناخبيه، وانه ما يقدر يعطي غير كذا وكذا.. وإذا تتصلبون وتتطرفون في مطالبكم قد نسقط معا ولا تحصلون على شيء! شوية خففوها، هي كلها ما بيها دولار حق، فلا تسرفوا فنخسر جميعا.
وهنا يجيب لص كردستان المفاوض: لكن لديكم دعم شعبي وامريكي واعلامي كبير، والناس تثق بكم عمياوي، وحسب خبرتنا ستبقى تدعمكم حتى لو دستم ببطنها 🙃
منبطح بغداد يقول: لا بالعكس، تره الناس بدت تدردم وحتى حلفاءنا حذرونا اننا نخسر شعبيتنا ولازم نشوف الناس أنه إحنا ندافع عن مصالحهم. وانتو تعرفون الكثر شغلة غاثة الناس وشاعرتها بالمهانة هي الخاوة مالتكم... فتساهلوا ويانه الله يخليكم حتى تعدي على خير.. خاصة احنا على اساس حرب على الفساد.
لص كردستان يسحب ورقة من ملف ويحطها على الميز ويقول: هذا مو صحيح، شوفوا هاي نسبة تأييد الحكومة ودعمها حسب إحصاءات فيسبوك وتويتر وتلغرام. وهاي احصائية تبين انعدام وجود انتقاد لكم بالقنوات التلفزيونية لا من المحللين ولا من النواب. يعني انتو اكثر حكومة "موثوق بها" (إن صح.. ) من قبل الجماهير. يعني المفروض أنتو اكثر حكومة تقدر ان "تكرمنا" من كل الحكومات السابقة، وما تقلق على الدعم.
منبطح بغداد: بس المشكلة عدنا حكم من المحكمة الاتحادية، شراح نكول للناس؟
لص كردستان: هاي بسيطة، نحط التنازل بشكل ما مبين انه يخالف حكم المحكمة، وعندنا نص مقترح كتبه قانوني مختص بهذه المسائل. أنتو عدكم اكبر دعم من أي حكومة، يعني آخر من يقلق من الناس هو انتو يا زميلي العزيز.
منبطح بغداد: زين بالنسبة لكمية النفط اللي لازم تسلموها، ليش تريدون تقللوها؟ هو انتو اول تالي ما راح تنطون برميل، واحنا ما راح نتكلم. ليش تحرجونا؟ وليش تريدوها 3 سنين؟
لص كردستان: احتياطا يا صديقي. اخاف انت ما تطول، أو بالسنين الجاية يطلعنا واحد ببغداد يسوي نفسه شريف ويطالب بالاستحقاقات..
منبطح بغداد: وإذا طلعت تقديراتكم خطأ والناس سوتلنا مشكلة؟
لص كردستان: صدگني ما راح يصير شي، وتلحك تخلص حكمك وتطلع بالمقسوم قبل من الناس تفتح عينها. يابه إذا صار شي عود ننطيكم حصة النفط مال شهر او شهرين إلى أن تعدي الأزمة وترجع الناس تثق بيكم عود نرجع، زين؟ واذا احد فتح حلكة، تقدرون تباهون انكم "أول حكومة" سلمت لها كردستان برميل نفط، هههههههههه.. عايل عليك؟
هذا تصوري التقديري لسيناريو "المفاوضات" (إن صح..) وطبعا ما عندي دليل لأن انا ما حاضرها، لكن عندي مؤشرات قوية..
د. بلال خليفة نشر ست دراسات عن الموازنة (سوف نستضيفه في المشترك بعد غد الأربعاء) والأرقام اعلاه مقتبسة منها. ومما قاله عن موازنة الحكومة اللي حصلت على اعلى ثقة بين الناس، أنها "أكثر موازنة منحازة للاقليم في تاريخ الموازنات"! وتستطيعون رؤية حقيقة تلك المقولة في النقاط المرفقة.
لاحظوا مثلا أن الكمية المطلوبة من كردستان كانت تزيد كل سنة (لأن انتاجها للنفط يزيد)، لكنها لأول مرة انخفضت في حكومة السوداني! (من 460 الف برميل الى 400 الف برميل)، وكذلك بقية الشروط. وتتذكرون ايضا مراوغة السوداني بأن الأموال ستوضع تحت سيطرة الحكومة الاتحادية، ثم يدور ليقول ان رئيس حكومة الاقليم هو من يتصرف بها.
هذه هي المعادلة الغريبة يا صديقي.. وهذه مؤشراتي عليها، ولك ان تصدقها او تفضل الاستمرار بالتمتع بحبك العميم 😉
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق