كتب عن بزشكيان انه "يعد داعما أساسيا للمقاومة" في نفس الوقت الذي هو "مؤيد للتفاوض حين تقتضي الضرورة" فما هي "الضرورة" في قياس بزشكيان، وعلى ماذا يريد ان يفاوض؟
لقد ذهب أحد الكتاب
الناشطين الغارق في تفاؤل يتجاوز المعقول، إلى تفسير هذه العبارة بأن أميركا
باعتبارها تخسر على كل الجبهات، فسوف تأتي للتفاوض للموافقة على شروط إيران، وان
وجود إصلاحي في سدة الحكم هو نعمة الهية (او نتيجة نشاط "عقل جمعي" و حكمة،
او شيء من هذا القبيل)، وبالتالي فلا صحة للقلق من هذا التصريح وأنه لن يكون على
حساب المبادئ او محور المقاومة، بل لفائدته!
الحقيقة هي عكس ذلك تماما!
أولا، إذا أرادت اميركا ان
"تخضع" لشروط ايران فلن يرفض رئيس "مبدئي" المفاوضات!
فالمبدئيين ليس مكتوب على جبهاتهم ان لا يفاوضوا، ولم يأت الى ايران أي رئيس لم
يدخل في مفاوضات "عندما تقتضي الضرورة". الفرق بين المبدئيين وما يسمون الإصلاحيين
هو تعريف تلك الضرورة أولا. هل هي حاجة ضرورية للشعب الإيراني ولا تتطلب التنازل
عن قضايا سيادية، أم هي ان يمكن الثري الإيراني ان يشتري سيارة فخمة بـ 20 الف
دولار بدلا من 100 الف دولار؟
الذي غادر المفاوضات هو
اميركا وليس رئيس إيراني "مبدئي" ليعيد رئيس آخر إحياءها، الا اللهم
بوعود بتنازلات لم يقدمها المبدئي! فلا يمكن لعاقل ان يتصور ان ايران يمكن ان ترفض
من يريد ان يرفع العقوبات والحصار عنها، دون ان تطلب منها اميركا اية تنازلات مبدئية!
إيران ليست "زعلانة" ولا تريد الكلام مع أحد. إيران كانت في المفاوضات
وقدمت تنازلات كثيرة واعادت علاقات مع دول عربية لا تريد لها ولا لمحور المقاومة
الخير. فتصوير الأمر وكأن ايران هي الرافضة للمفاوضات، وانه جاء لإعادتها الى
الحياة، امر سخيف.
ثانيا، أن بزشكيان كان
يتحدث عن طريق لإنقاذ الاقتصاد، والمبادرة الى الذهاب الى مفاوضات لأجل ذلك
"إن كانت هناك ضرورة"، وليس إذا أرادت اميركا المفاوضات فسوف اقبل.
فعندما تذهب الى اميركا وتقول لها اريد أن اتفاوض من جديد، ستسألك ما الذي قررت ان
تقدمه من تنازلات عن المرة الماضية؟ وإذا قلت لهم: لا شيء! لا اريد تقديم اية
تنازلات إضافية! فسيضحكون عليك.
التخيل بأن بزشكيان قد
يقصد "تفاوضا أذكى" يصل الى نتائج افضل دون تنازل، هو كلام فارغ. فمن
يجلس امامه ليس حمارا ليخدعه. من يجلس لا يريد سوى تلك الأوراق الأساسية من ايران
ولن يرضى بغيرها، ولن يقبل ان يتحدث بغيرها.
لذلك فالكلام عن عدم
الاستعداد لتقديم تنازلات جديدة ليس سوى ضحك على الذقون، من بزشكيان أو ممن يدعي
ذلك نيابة عنه.
ما الذي يمكن ان تقدمه من
تنازلات؟ أمريكا (التي تتحدث معك نيابة عن إسرائيل) لا تريد منك مالا ولا نفطا.
انها تريد فقط التخلي عن دعم محور المقاومة والتخلي عن المزيد من حقوق ايران أما
بالتسلح او التخصيب، وبالتالي، إن لم تكن مستعدا للتحدث عن هذه التنازلات فأية
أوراق لديك لتقدمها مقابل رفع الحصار عنك؟
بل أن مجرد الطموح إلى
الانفتاح على الغرب وخاصة اميركا، وإقامة علاقات جيدة معها، يحمل ضرورة التخلي عن
محور المقاومة. فلم تقم اميركا اية علاقات ولا انفتح الغرب يوما على دولة كانت
بالفعل في محور المقاومة، فلماذا سيقبلون بالانفتاح على ايران تاركين لها حريتها
في دعم المحور؟ ليس لدى ايران ما تفاوض به سوى المحور ومواقفها المبدئية، وعليها
ان تختار: اما ان تحتفظ بها وتترك حلم العلاقة الجيدة مع الغرب، او ان تتخلى عنها
بأمل رضى الغرب عنها، والذي قد يتحقق وقد لا يتحقق.
لقد وضع المبدئيون انفسهم
في موضع حرج حين لم يبينوا اعتراضهم المبدئي على طروحات بزشكيان، وذهب بعضهم الى
التأكيد الإعلامي انه ربما يكون الخيار الأفضل في هذه المرحلة، بسبب تعب ايران من
الحصار (نعود له في مقالة قادمة). لأنهم إن رفضوا ما سيطلبه منهم فسيكون من الصعب
عليهم بعد تأكيدهم الثقة به، تبرير الرفض. فحاصروا انفسهم بأنفسهم وحددوا خياراتهم
بالقبول.
وسيطلب بزشكيان منهم
تنازلات لا يرغبون بتقديمها. فحين يصرخ بزشكيان "ساعدوني" إنما يهيء
مجلس الشورى لطلبات صعبة مما يرفضه المجلس والمبدئيون عموما، وسيحرجهم ويضعهم بين
خيار قبول كل تنازلاته ودون ضمان لأية مردودات لتلك التنازلات، أو تحمل كل اللوم من
الشعب الإيراني بعدم تحسن أوضاعه وأنهم اصروا على عرقلة خططه لإيصال الشعب الى
الجنة الموعودة.
لكن هناك تساؤل مهم: إذا
كان هناك إمكانية لتفاوض أذكى او افضل، فلماذا لا يتوجه بزشكيان الى مفاوضات افضل
مع الشرق ليحصل على الانفتاح الاقتصادي المرجو؟ فمازالت العلاقة مع الصين وروسيا
أقل مما يرجو الإيرانيون، وبسبب مواقف اقل افضلية مع هاتين الدولتين اللتين يبدو
انهما تستغلان أيضا ظروف ايران لإبقاء جدوى العلاقات الاقتصادية معهما دون
المطلوب، إضافة الى رغبتهما بعدم اغضاب إسرائيل ودول الخليج.
هنا فرصة افضل للمفاوضات،
فلماذا لا يوجه بزشكيان امكانياته التفاوضية اليها؟ هنا جهة لا تشترط عليك ان
تتخلى عن قضاياك الأساسية، وهنا قد يمكنك ان تقنع المقابل بضرورة تحسين سعر النفط
الذي يشتريه وبضرورة مساعدة ايران ببعض الافضليات لكي لا تعود الى الغرب وتخسر
الدولتان حليفا مهما. إذا كان هناك "ذكاء تفاوضي" فهنا ورقة أقوى وأرضية
افضل له من الذهاب الى اميركا التي لم توقع يوما اتفاقا مفيدا مع اية دولة لم تكن
تابعة لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق