إثر اصدار السيد جواد الشهرستاني، "الوكيل المطلق" للسيد السيستاني في ايران، بيانا ادان فيه "اعمال الشغب" في ايران، أصدر مكتب السيد السيستاني في النجف على الفور، بيانا نصه: " باسمه تعالى، ننوه إلى الجميع أن سماحة السيد السيستاني دام ظله ليس لديه أي وكيل يعبر عن مواقفه السياسية. ويمكن معرفة مواقفه السياسية من خلال موقعه الرسمي فقط."
والحقيقة ان لا "الموقع الرسمي" للمكتب، ولا اية جهة أخرى باسم المرجعية، قد قدمت في الفترة الأخيرة أية مواقف سياسية، عدا حالة واحدة، وهي اقرب الى الشذوذ الذي يؤكد القاعدة، حين زار البابا المرجع في النجف، وحينها عبر السيد السيستاني عن مواقفه الإنسانية وبشكل خاص أعطى القضية الفلسطينية مكانة خاصة من الخطاب.. ثم ساد الصمت من جديد! ونلاحظ هنا أن زيارة البابا كانت إطلاقا لفعاليات لمؤامرة الديانة الابراهيمية، وربما لولا أهمية تلك المؤامرة بالنسبة لمن يدير الموقف، وحاجتها الى الزخم، لما جاء البابا ولما رأينا السيد لفترة أطول!
ومثل هذا الموقف الذي ينتظر من السيد ان يقدم موقفا كما اعتدنا منه، مرت مواقف
حرجة عديدة وتعرض البلد الى فتن متعددة ومخاطر كثيرة لكن الصمت كان دائما يلف مكتب
المرجعية، وسط حيرة الناس ومحاولة الكثير من محبي المرجعية الدفاع عن ذلك الموقف
والتأكيد ان كل شيء على ما يرام في المكتب. لكن هذا الدفاع لم يكن مقنعا، ومع مرور
الوقت واستمرار الصمت، تزداد القناعة بين الناس بوجود مشكلة في المكتب وصمته،
ويزداد القلق.
"للأسف ان بعض
الكيانات السياسية لم تكن تستجيب لكثير مما بينته المرجعية. نعم الناس قد تطمئن
وترتاح وهناك صوت يدافع عنها. لكن المرجعية لا تريد ان تخطب فقط، تريد ان الخطاب
يؤثر. البعض كان استجابته ضعيفة جدا مع تكرار مضمون الخطبة في اكثر من مرة،
الاستجابة كانت ضعيفة جدا. فإلى الآن لا يوجد قرار قريب في إعادة الخطبة، ما لم
تكن هناك ضرورة اكبر من قضية التعليق." (الفيديو موجود على اليوتيوب).
هل كانت كلمة
"بعض" رمزية فقط، والمقصود أن كل أو معظم الكيانات السياسية لم تكن
تستجيب للمرجعية؟ حتى هنا يطرح السؤال: وهل تتكلم المرجعية من اجل ارشاد الكيانات
السياسية ام المسلمين؟ من الواضح ان الكثير من خطابها كان موجها مباشرة الى الشعب،
ان لم يكن كله. فمثلا الدعوة الى التصويت على الدستور، لا علاقة له بالكيانات
السياسية! وهذا ينطبق على بقية البيانات لو راجعناها. وفي فتوى الجهاد ضد داعش
استجاب الناس بشكل كبير جدا وبشكل كفى لدحر الخطر عن العراق!
وفوق ذلك، من غير
الصحيح ان "الكيانات السياسية" لم تكن تستجيب للمرجعية! فالمتداول ان
المرجعية من الجهات التي لا تستطيع حكومة ان تشكل بدون موافقتها او مباركتها، أو
على الأقل عدم اعتراضها. وقد ذكر ذلك علنا احد قادة الفصائل المقاومة في لقاء علني
على التلفزيون إجابة عن سؤال حول كيفية الاتفاق على المرشح لرئاسة الحكومة.
كذلك فقد أضاف عادل
عبد المهدي في كتاب استقالته من منصبه، انه فعل ذلك نزولا عند رغبة المرجعية! وبالفعل
كان لدى المرجعية من خلال خطب ممثليها، دعوات واضحة للبرلمان لتغيير السلطة! ونلاحظ
هنا أن المرجعية (او مكتبها) قد مارس سلطة لم يمارسها حتى الآن الولي الفقيه في
إيران. فلم يسبق له ان طلب من البرلمان اقالة حكومة أو من رئيس حكومة منتخب ان
يستقيل! وهذا أمر يستحق التوقف عنده كثيرا، فمن الناحية العملية فأن مكتب المرجعية
يمارس بالفعل صلاحيات الولي الفقيه، رغم عدم اعترافه بها كمبدأ أساسي في سياسته!
ويصبح هذا ملفتا للنظر، إن تذكرنا ان السيد الصافي سبق ان اعلن بعد بيان له، اثار
لغطا، ان ذلك البيان كان رأيه الشخصي ولم يكن رأي السيد السيستاني! فكم يا ترى مما
قال السيد الصافي سابقا هو رأيه الشخصي، مما لم يثر اللغط ليدفعه للاعتراف بذلك؟
إن غياب المرجعية
التام عن الوضع السياسي العراقي مباشرة بعد تسلم عميل السفارة الكاظمي الحكم
وارتكابه الجرائم الأكبر بحق العراق، أمر يثير الاستغراب والقلق. كذلك مثير للقلق
عدم ابداء السيد السيستاني رأياً في مضي السوداني بكل العقود المدمرة التي وقعها
الكاظمي وزاد عليها، ومضي السوداني ليوقع عقود التراخيص الخامسة مع شركات مشبوهة
ومحظورة في القائمة السوداء في العراق وتصريحه المشين بحاجة العراق لبقاء الجيوش الأجنبية
فيه واستخدامها العراق كمرر لوجستي الى سوريا التي تحتلها!
هذا إضافة إلى أن التكتم العام على السيد السيستاني عموما، غير مفهوم. فلم ير
الناس السيد إلا في مناسبات نادرة جدا ربما لا تزيد عن مرتين في تصوير قصير جدا.
وقد أتاح ذلك للبعض اثارة بعض البلبلة بالادعاء أكثر من مرة، بأن السيد (اطال الله
عمره) قد فارق الحياة! والملفت للنظر ايضاً ان حالات التصوير النادرة التي نقلت،
ومنها لحظة لقائه بالبابا، كانت بدون صوت! فما هو المبرر لذلك؟ وما الداعي لكل هذه
السرية والتكتم على ظهوره؟
لقد ترددت طويلا في نشر
هذه التساؤلات لحساسية الموضوع، لكني اشعر أن البلد يسقط بسرعة في يد اعدائه ويسير
في نهج التطبيع، ولست متفائلا بتلك المسيرة، ولا مفر من استدعاء كل ما يمتلك البلد
من قوة ومن أهمها مرجعية السيد السيستاني لوقف الانهيار. فلم يعد انكار وجود مشكلة
ممكنا، بل ان التصور ان السيد السيستاني يعلم بكل شيء ويسكت عنه بإرادته، اتهام
ابرئ السيد منه لما عرف عنه من مواقف عظيمة في الماضي انقذت العراق مرتين على
الأقل، من التدمير. لذلك فإن تجمع كل هذه التساؤلات يثير علامات استفهام غير مجاب
عنها، وهي تنتشر ليس فقط بين المغرضين ضد السيد السيستاني بل أيضا يثير هذا الغياب
القلق والتساؤل، بين محبيه واتباعه، ومازال بدون جواب، مثل رسالتنا التي طلبت فتوى
عن التطبيع قبل أكثر من عامين، ولا تفسير لذلك غير انها منعت من الوصول اليه،
مثلما منعت الاخبار التي لا يراد لها ان تصله، فلم يكن له منها موقف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق