الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

"الانتحاريون الفلسطينيون" في العراق، أكذوبة قديمة مُتجدّدة، هل تقف إسرائيل وراءها؟

عملية بحث بسيطة على غوغل عن "أعداد الانتحاريين الفلسطينيين في العراق" ستحصل على نتائج بالعشرات من مختلف المواقع الإخبارية وغير الإخبارية التي نشرت الخبر على صفحاتها من دون أن تحاول التأكّد حتى من صحّته معتمدة أسلوب (copy- paste) خذ من شبكة المسلة، إلى منتدى الإسلام الأصيل، إلى وكالة أنباء براثا.
جميع الإحصائيات المدرَجة على هذه المواقع بدأت الخبر بـ كشفَ مصدر رفيع في وزارة الداخلية العراقيةأن ... ، من دون التحدّث عن إسم الضابط أو المصدر الرفيع الذي صرّح بالإحصائية، وجاءت في أخرى كشف تقرير لوزارة الداخلية العراقية بأن أعداد "الإنتحاريين الفلسطينيين" كذا وكذا، من دون إدراج تاريخ التقرير أو رقم الإحصائية أو الرابط الالكتروني للإحصائية، ولا يوجد أيّ موقع تحدّث بلغةٍ موثّقةٍ تستند لمصدرٍ موثوقٍ أو موقع رسمي أو حتى شبه رسمي. لذا في المقام الأول يتّضح لنا عدم وجود إحصائية رسمية أو مصداقية لهذه الإحصائية على المُطلق وبالإطلاق.
"موقع إسرائيل بالعربية" عنوَن الخبر على الشكل التالي "الداخلية العراقية : الأغلبية الساحقة من الانتحاريين في العراق هم من الفلسطينيين". وجاءت الأرقام في التقرير الإسرائيلي مُطابقة تماماً لما جاء في الصفحات والمواقع الالكترونية العراقية على الشكل التالي "عدد الانتحاريين الإرهابيين الفلسطينيين في العراق وصل إلى 1201 ما بين 2007 إلى 2013، وكل هؤلاء الانتحاريين من المذهب السنّي وبالذات المدرسة الوهّابية المرتبطة من ناحية التمويل بالجمعيات السعودية والكويتية الخيرية التي يُديرها مُتطرفوّن من أتباع الفكر الوهّابي بحسب معلومات أصدرتها مراكز تفكير متنوّعة. ويأتي السعوديون في المرتبة الثانية حيث بلغ عدد إرهابيي السعودية الذي انفجروا في المدنيين العراقيين 300 سعودي وهّابي العقيدة. يليهم 200 انتحاري وهّابي من سوريا، 250 وهّابي يمني، 44 تونسياً، 90 مصرياً، 40 ليبياً ثمّ 20 متفرقين بين بحريني وإماراتي وقطري".
ما اتّضح لي من خلال ما نُشِر على موقع "إسرائيل بالعربية" أنها كانت إحدى المروّجين الرئيسيين للخبر إن لم تكن أولهم، وللأسف وكما عوّدتنا المواقع الالكترونية العربية والتي تفتقر لأدنى المعايير المعتمدة في التحقّق من صحّة الأخبار قامت بنشر الخبر بالأرقام كما وردت على الموقع الإسرائيلي من دون أن تتقصّى صحّته ومصدره.
التحدّث بلغة الأرقام والمنطق
إذا أردنا التحدّث بلغة الأرقام والمنطق نصل إلى النتيجة التالية: الإحصائية المزعومة التي تمّ نشرها بهدف شيطنة الفلسطينيين في العراق بشكلٍ خاص وفي محيطهم العربي بشكلٍ عام لا تتّفق حتى مع لغة الأرقام، فالإحصائية تتحدّث عن الأعوام ما بين 2007 و2013، طبعاً لا يخفى على أحد، حملة التهجير الممنهَج التي تعرّض لها الفلسطينيون في العراق إبان الغزو الأميركي للعراق والتي أجبرت الغالبية العظمى منهم إلى ترك العراق والرحيل إلى دول أوروبية ولاتينية لعدم قبول الدول العربية باستقبالهم بعد مكوثهم لأشهر في صحراء التنف، في هذه الأعوام وطبقاً لإحصائيات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تراوحت أعدد الفلسطينيين المتبقّين في العراق من 3 آلاف إلى 4 آلاف فلسطيني الغالبية الساحِقة منهم نساء وأطفال وكبار في السن، حيث كما تحدّثنا سابقاً أن غالبية الشباب هاجرت وتركت العراق قسراً تحت عمليات القتل والتهجير الممنهّج التي سيقت ضدّهم إبّان الغزو الأميركي للعراق، ليكن من بين كل هؤلاء المتبقين 30% رجال والـ70% الأخرى هي أطفال وشيوخ ونساء، و الـ30% تكون تقريباً من 1000 - 1200 رجل على أقصى تقدير، بينما العدد الذي جاء في الإحصائية هو 1201 انتحاري فلسطيني، بمعني أن جميع الفلسطينيين الشباب والرجال قاموا بتفجير أنفسهم في العراق، هل هذا رقم يقبله عقل أو منطق؟!!!.
قد يتحدّث أحدهم أن هناك أعداداً أخرى من الفلسطينيين جاءت من خارج العراق وفجّرت نفسها في العراق. لكن أُعيد وأُكرّر لا توجد أيّة احصائيات رسمية أو دولية تؤكّد ذلك، قد يكون هناك من الفلسطينيين الذين تصرّفوا بشكلٍ فردي وفجّروا أنفسهم في العراق حالهم كحال مواطني أكثر من 120 دولة أخرى جاءت وقاتلت في العراق أيّ أن عددهم لا يتجاوز أصابع اليد وليس كما جاء في الإحصائيات المكذوبة التي هدفها الوحيد شيطنة الفلسطيني وسلخه عن محيطه العربي والإسلاميّ.
لم أحصل على أية إحصائيات رسمية عراقية عن أعداد الانتحاريين الفلسطينيين في العراق وما حصلت عليه هو إحصائية رسمية صادرة عن موقع روسيا اليوم تتحدّث عن جنسيات الانتحاريين في العراق التي خلت من الفلسطينيين كما هو موضَح بالصورة في الأسفل.
ما ظهر لي أن المروّج الحقيقي لهذه الأخبار هو جهات إسرائيلية أو ربما أشخاص يرتبطون بأجندات إسرائيليةتعمل بشكل منظّم وممنهّج لتسويق دعاية جديدة بين أبناء الوطن العربي مفادها أن الفلسطيني عدو و مجرم و يحل الخراب أينما حل، من جهة توجّه الحقد نحو الفلسطيني بدل من العدو التقليدي الذي كان دائماً إسرائيل وتجبره على الانسلاخ عن المجتمعات العربية التي طالما عاش معها وقدّمت له وقدّم لها، ومن جهة أخرى تلمع صورة "الإسرائيلي" في الوطن العربي وتخلق له صورة جديدة بديلة عن القديمة بحيث تكون هذه المجتمعات لاحقاً مهيّأة لأن تكون مطبّعة وحاضنة لعدوها القديم.
يمكنني القول أنه "إسرائيل" نجحت جزئياً إلى الآن في حربها الإعلامية على الفلسطيني والتسويق "للشيطان الفلسطيني المتعطّش للدماء" و"المخرّب ناكِر الجميل"، بسبب الانعدام الكبير في الوعي لدى المجتمعات العربية التي تنساق وراء أي شيء تقرأه من دون المحاولة من التحقّق من مصدره أو صحّته من جهة، و انعدام الإعلام الواعي الذي يحارب هذه الشائعات، كما ألقي باللوم على بعض الحكومات العربية والإعلاميين العرب الذين لم يكلّفوا أنفسهم عبء دَحْض هذه الاتهامات وتكذيبها بل التزموا الصمت أحياناً و ربما أيّدوها أحياناً.
وأخيراً فإن الفلسطينيين أينما حلّوا وأينما وجِدوا لا يتمنّون سوى الخير والسلام لكل من احتضنهم ووقف إلى جانبهم ودافع عن قضيّتهم إيماناً منه بأن قضية فلسطين وقبل أن تكون قضية العرب والمسلمين هي في المقام الأول هي دعوة إلى الإنسانية والوقوف إلى جانب الحق والعدالة.
محمّد يوسف - محام وكاتب فلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق