هذا المقال وضع بشكل أجزاء مستقلة بعناوين لكل من التهم والتشويهات التي وردت في الهجمة الإعلامية الأخيرة على صلاح الدين، ليتمكن القارئ من اختيار ما يهمه قراءته دون اضطرار قراءة المقالة كلها إن لم يستطع. والمقال يعتمد بشكل شبه تام على اختياراتي لأهم ما جاء في دراسة علاء اللامي حول الموضوع.
ومما يثير الانتباه تزامن
بعض نشاطات تلك الحملة مع عملية نسف داعش للمنارة الحدباء في الموصل وجامع النوري
المسمى باسم نور الدين زنكي، أمير الشام، والمرتبط تاريخيا بالقائد العسكري صلاح
الدين. ومن هنا ربما جاءت محاولة اشعال النعرة الطائفية بالتشفي من تحطيم تلك
المنارة التاريخية الأقدم في العراق، والتي كانت رمز الموصل، بلا منازع.
وإذا كان للحملة على صلاح
الدين في العراق دوافع طائفية، فإنها مستعرة في مصر لأسباب أخرى، يكفي لمعرفة
دوافعها ان نعرف أنها كانت بقيادة عراب إنكار وجود المسجد الأقصى في فلسطين، مقدما
خدمة عظيمة لإسرائيل في مخططها لابتلاع القدس الشرقية واعتبار المدينة عاصمتها.
وفي رده بين اللامي أن
العديد من الاتهامات الأكثر خطورة هي اتهامات ملفقة. وهناك أيضا محاولة مفتعلة
لتفسير العديد من الاحداث بشكل طائفي، واستثارة العواطف ضده مسبقا في مقارنات غير
أمينة وعنصرية مثل الإشارة إلى انه ولد في نفس المنطقة التي ولد فيها صدام حسين.
وأخيرا يعترف علاء اللامي بوجود جرائم لصلاح الدين، إن قسنا تلك الجرائم بمقاييسنا
الحالية، أي بعد حوالي 1000 سنة من حدوثها، وهو خطأ كبير. وقد تركز الرد على
اتهامات ساقها كل من د. جاسب الموسوي و د. يوسف زيدان.
واعتمدت الدراسة على ثلاثة
مصادر بشكل رئيس (ومصادر أخرى) هي: الكامل لابن الأثير وكتاب “صلاح الدين وعصره”
لمحمد فريد أبو حديد و “شخصيات غير قلقة في الإسلام” – لهادي العلوي والذي اعتمد
فيه الراحل على عدد كبير من المصادر ووثَّقها في نهاية دراسته.
الرد على حقيقة السبب
الطائفي لتحرك العباسيين ضد الدولة الفاطمية
ويرد علاء اللامي على طرح جاسب الموسوي من تآمر
الخليفة العباسي على الشيعة بالقول: "وإذا كان الخليفة العباسي في بغداد
حريصا على التسنن ومعاديا للتشيع و“الرفض” إلى هذه الدرجة فلماذا يتآمر مع صلاح
الدين ضد الفاطميين الشيعة في مصر ويترك البويهيين الشيعة يحكمون بغداد ذاتها
بسيوفهم بل ويخلع عليهم الخُلَع ويمنحهم الإقطاعات الشاسعة؟ أليس هذا الحديث مضحكاً؟
أفضلية البويهيون باعتبارهم لم يلغوا الخلافة
العباسية، عكس صلاح الدين
يحاول الهادفون إلى اثارة
المشاعر الطائفية تبيان افضلية "البويهيون" (الشيعة) بمحافظتهم على
الخليفة العباسي (السني) ومعاملته باحترام، مقارنة بصلاح الدين الذي ألغى الخلافة
الفاطمية وأقام المذابح. عن هذا يقول علاء اللامي:
لقد دخل البويهيون بغداد
بجيش جرار واحتلوها سنة 945 م وأعلن معز الدولة البويهي نفسه حامي الخلافة (حتى
سنة 1055 م) وفرض البويهيون سلطاتهم على الخليفة ولم يبقوا له سوى الاسم أي أنهم (
أسسوا إمارة وراثية في قلب عاصمة الخلافة منفصلة عن الخليفة نفسه ولم يُبق
البويهيون هؤلاء الخلفاء إلا لاعتبارات سياسية)، بعد أن حاولوا في زمن معز الدولة
البويهي نقل الخلافة للمعز لدين الله الفاطمي أو لغيره من العلويين، ولكن خواصه
حذروه وبينوا له الخطر على مركزه قائلين: ( ومتى أجلست بعض العلويين خليفة، كان
معك من تعتقد أنتَ وأصحابك صحة خلافته، فلو أمرهم بقتلك لفعلوا!).
لقد تعامل الأمراء
البويهيون مع الخلفاء بعدم احترامهم والتعدي على سلطتهم وألقابهم وشاراتهم. وتجلّى
هذا في مظاهر كثيرة من عزل وإهانة وسجن ومصادرة.
، فخطبة الجمعة في بغداد
كانت رمز السيادة السياسية للخليفة العباسي، ولكن لم يمض ربع قرن حتى استولى
البويهيون على هذا الامتياز، وأدخلوا اسمهم مع اسم الخليفة في خطبة الجمعة، وتسلم
البويهيون مهمة سك النقود وهي الرمز الثاني للخليفة، فحذفوا لقب أمير المؤمنين
واكتفوا بذكر اسم الخليفة في حين ذكر الأمير البويهي اسمه ولقبه وكنيته.
وهكذا لا يرى المدقق
المنصف في التاريخ فرقا كبيرا، سياسيا أو أخلاقيا أو دينيا بين ما فعله البويهيون
في بغداد العباسية وبين ما فعله صلاح الدين شبه مرغم لدولة تُحْتَضَر هي وخليفتها
صلاح الدين ينقذ الخليفة الفاطمي العاضد من وزرائه
الخونة
1-الدخول الأول
لمصر: يبدأ أغلب المؤرخين وبخاصة المشنعين الطائفيين على صلاح الدين، قصة علاقته
مع الدولة الفاطمية من الحملة الثانية لمساندة الخلافة الفاطمية ضد الصليبيين،
ويهملون حقيقة ان صلاح الدين دخل مصر قبل ثلاث سنوات. والسبب الأرجح لهذه القفزة
هو جعل الفترة بين دخوله الى مصر وتاريخ إنهاء الخلافة الفاطمية على يده قصيرة، لتكون
أنسب لقصة التآمر على الدولة الفاطمية.
أنقذ صلاح الدين، الخليفة الفاطمي العاضد، الذي
استنجد به، من تمرد وزيره ضرغام اللخمي، فقضى عليه. واستوزر الخليفة الفاطمي العاضد وزيرا جديدا هو شاور،
ولم يستوزر أحدا من منقذيه الزنكيين الأيوبيين آنذاك. خان الوزير الفاطمي الجديد شاور السعدي سيده الخليفة العاضد وتعاون مع الصليبيين
في حملتهم الكبيرة على مصر، وكان على شيركو أسد الدين وابن أخيه صلاح الدين ان
يواجها جيشا كثيفا من الفرنجة وقوات الخائن المتغلب شاور قرب منطقة الجيزة وانتصرا
عليه انتصارا أقرب الى الخيال. ثم حررا الاسكندرية من شاور الذي استنجد بالصليبيين
فأنجدوه بجيش ضخم وحاصروها لثلاثة أشهر حتى نفذت الميرة وحدثت مجاعة فاضطروا
للتفاوض مع شاور على سحب قواته منها بسلام مقابل أتاوة من خمسين ألف دينار وبشرط
عدم تسليم المدينة للصليبيين وعدم ملاحقة سكانها الذين رحبوا بالقوات الشامية.
2- الدخول الثاني الى مصر: انسحب شيركو بقواته إلى الشام فخلا الجو للوزير الفاطمي شاور السعدي فسلم
مصر كلها للصليبيين مقابل أن يعينوه حاكما عاما عليها. نقرأ في كتاب "البداية
والنهاية" لابن كثير أنه في سنة 564. "طغت الفرنج في الديار المصرية وذلك أنهم جعلوا شاور شحنة لهم
وتحكموا في اموالها ومساكنها وجاء إليها أصحابهم من كل فج وناصية صحبة ملك عسقلان
"الإفرنجي" في جحافل هائلة وأخذوا بلبيس وقتلوا من أهلها خلقا وأسروا
آخرين.. فأمر الوزير شاور الناس أن يحرقوا مصر (اسم المدينة القديمة السابقة للقاهرة)،
والانتقال إلى القاهرة فنهبت البلد وبقيت النار تعمل فيها أربعة وخمسين يوما. فعند
ذلك أرسل الخليفة الفاطمي العاضد يستغيث بنور الدين زنكي وبعث له بشعور نسائه بقول
أدركني واستنقذ نسائي من أيدي الافرنج والتزم لك بثلث خراج مصر"
وبالاتفاق مع الخليفة الفاطمي العاضد، نفذت الخطة
على يد صلاح الدين الذي قتل الخائن شاور. وقد استوزر العاضد شيركو الذي توفي بعد
شهرين فاستوزر العاضد ابن أخيه يوسف صلاح الدين.
أبقى صلاح الدين على الخلافة الفاطمية وعلى
الخطبة والدعاء للخليفة الفاطمي العاضد رغم الضغط الذي سلطه عليه نور الدين ليدفعه
لإلغائها، ولكن صلاح الدين اكتفى بإزالة معالم التشيع الإسماعيلي عنها، وهو الأمر
الذي قام به البويهيون الشيعة الزيديون في بغداد تجاه رموز الخلافة العباسية، حيث
أزالوا لقب "أمير المؤمنين" من العملة الرسمية وادخلوا اسم أميرهم معه
في خطبة الجمعة ولكنهم لم يجرأوا على إلغاء الخلافة تماما، خوفا من ردت فعل تطيح
بهم.
وكانت مصر في عهد العاضد قد بلغت درجة من الضعف
الشديد، وكان الناس في ضيق يعانون المجاعة الفعلية وأزمة اقتصادية وحياتية شديدة
وكان العاضد مريضا جدا وربما سهلت هذه الظروف عملية إنهاء الخلافة الفاطمية.
حدثت جفوة بين صلاح الدين ونور الدين بعد استلام
صلاح الدين الحكم في مصر عندما ماطل صلاح الدين في توجيه الخطبة للخليفة العباسي
في بغداد. حتى هدده نور الدين بالمسير إليه فاضطر صلاح الدين إلى وقف الخطبة
للخليفة الفاطمي المريض وألغيت الخلافة الفاطمية. وبعد فترة قصيرة توفي العاضد وهو في الحادية والعشرين فندم صلاح الدين
ندما شديدا لأنه لم ينتظر وفاته قبل الغاء الخلافة الفاطمية، حسب ابن كثير، وحزن
عليه وشهد جنازته بنفسه وكان يتلقى التعازي شخصيا في عزاء أقامه هو وبكى عليه
بحرقة المفجوع
ولما مات العاضد. وانتظر انصرام الحداد فأصدر
أمره بإقامة الخطبة لبني العباس وأفرد لأسرة العاضد قصرا يعيشون فيه بدل قصر
الخلافة وخصص لهم اموالا تكفيهم.
(ثم يورد علاء اللامي روايات كاتب صلاح الدين
ومؤرخ سيرته، إبن شداد والمؤرخ أبو شامة المقدسي والمؤرخ البريطاني ستيفن رنيسمان في
موسوعة "تاريخ الحروب الصليبية" ولن نوردها هنا لأنها تشابه الرواية
السابقة، مع إضافة أبو شامة وصية العاضد لصلاح الدين بأولاده، وأن الأخير احترمها.)
اتهام صلاح الدين بارتكاب إعدامات ومجازر كبرى بحق
الفاطميين
يؤكد قادة الحملة الحالية على صلاح الدين بأنه
ارتكب المجازر بحق الأبرياء من الشيعة الفاطميين في مصر. لكن قراءة التاريخ (ابن
تغري - مؤرخ مصري وابن أمير مملوكي، مثلا) يبين أن تلك الحالات حدثت كرد على ثورات
قامت على صلاح الدين، كانت أشدها الثورة الثالثة في السنة السادسة من حكم صلاح
الدين، حيث "ساروا من الصعيد إلى مصر في مائة ألف أسود ليعيدوا الدولة
الفاطمية. فخرج إليهم أخو صلاح الدين الملك العادل بكر.. فكانت بينهم وقعة هائلة. ووقعت
ثورة أخرى في مدينة "قفط" بصعيد مصر أرسل صلاح الدين لها أخاه العادل
على جيش فقتل من أهلها ثلاثة آلاف. وقد تعرض صلاح الدين لعدة محاولات لاغتياله في
مصر والشام من قبل عناصر شيعية سعت للانتقام منه بسبب جرائمه في حق الشيعة."
ويؤكد علاء اللامي: "أن عظمة صلاح الدين
كقائد للمقاومة ضد الغزو الإفرنجي الصليبي ومنتصر عليه لا تعني إعفاءه أخلاقيا
وإنسانيا من مسؤولية القمع الدموي للمتمردين عليه، وخصوصا التمرد الذي قام به
الفاطميون السودانيون في ثورتهم الشهيرة ضده والتي بلغ قمعه لها درجة الإبادة
للآلاف من الناس كما تقول المصادر التراثية."
لكن من ناحية ثانية: "نحن هنا إزاء تمردات
وثورات مسلحة يقوم بها أنصار الخلافة الفاطمية المنتهية لإعادة العرش السابق،
ولسنا أمام عملية انتقام أعقبت تغيير الخطبة وإنهاء الخلافة الفاطمية، وثمة فرق
كبير بين الأمرين. في الواقع فإن ما يعتبره الكاتب المذهبي المعاصر في هذا المقتبس
"جرائم" ينسبها الى صلاح الدين ليست إلا أحداثا كانت تعتبر
"عادية" رغم أنها مدانة من قبلنا في هذا العصر. ولن نجد مثالا واحدا في
الصين أو الهند أو أوروبا أو في الدول الإسلامية في المشرق أو شمال أفريقيا لثورة
أو تمرد مسلح أو شبه مسلح قامت به مجموعات بشرية ضد السلطة المركزية وعوملت برحمة
وتسامح وعفو، بل كان السيف والرمح والمنجنيق هي الحكم والفيصل! ومن ذلك ثورة الزنج
وثورة ابن الزبير والإمام الحسين بن علي في زمن الأمويين وثورة القرامطة وثورة زيد
وأبنائه وأحفاده وثورات العلويين كافة في العهد العباسي وحتى الفاطميين مارسوا
القمع الدموي ضد خصومهم كما حدث في مجزرة القيروان التي ارتكبها خليفتهم المؤسس
عبد الله المهدي "أو عبيد الله المهدي " حيث قتل تحت التعذيب أربعة آلاف
من السنة على المذهب المالكي بعد أن رفضوا بيعته ص 85 / سهيل زكار مصدر سابق. علما
أن زكار متهم بالتعاطف مع الفاطميين وعموم الإسماعيليين
كذلك هناك العشرات من الأمثلة على
"جرائم" أو عمليات قمع وإبادة قامت بها دول تُحسب على الشيعة. مثل عمليات
نشر المذهب الشيعي الاثنا عشر من قبل الدولة الصفوية ضد المسلمين السنة الفرس
والذين أبيدت منهم بسيوف الصفويين قطاعات واسعة من الناس العاديين في أصفهان
وتبريز ومدن إيرانية كبرى كانت سنية بنسبة 100% قبل استيلاء الصفويين على الحكم في
إيران، لأن هؤلاء السنة من الفرس رفضوا أن يتشيعوا. ومن غباء الكتاب المذهبيين
السنة المعاصرين أنهم يعتبرون "الصفويين فرسا مجوسا، في حين يقول التاريخ الحقيقي
إن الصفويين هم ترك إذريين، وأن الفرس هم ضحاياهم من المسلمين السنة الذين فرض
عليهم التشيع بحد السيف.
هذه الوقائع التاريخية تهدم الأساس الذي تقوم
عليه مفاضلات الكتاب المذهبيين الشيعة الذين يزعمون بأن أسلافهم كانوا متسامحين
ومسالمين وأن أعداءهم كانوا "مجرمين سفاحين" كما يكرر د. جاسب الموسوي وزميله
المصري يوسف زيدان صاحب نظرية (المسجد الأقصى غير موجود في القدس)!
يأخذ هادي العلوي على صلاح الدين إعدامه للشاعر
الفاطمي عمارة اليمني الذي تورط في مؤامرة لإعادة الخلافة الفاطمية وإسقاطه، وكذلك
إعدام الفيلسوف شهاب الدين السهروردي - صوفي عرفاني سني - وقد جرى ذلك بناء على
مضبطة من رجال دين في حلب تثبت عليه الكفر وتوصي باستحقاقه القتل. وإن كان لصلاح
الدين مبرر في قتل الأول، يرى اللامي ان اعدام السهروردي جريمةً وعملاً مداناً.
(في كل الأحوال، يبين هذا الإعدام للفيلسوف
السني، أن الاعدامات لم تكن بأهداف ودوافع طائفية – صائب خليل)
هل أحرق صلاح الدين المكتبة
الفاطمية الضخمة؟ وما قصة العزل الجنسي؟
ومن الاتهامات التي يوجهها البعض إلى صلاح الدين،
إحراق "المكتبة الفاطمية الضخمة"، والتي قيل إن عدد الكتب فيها تجاوز
مليوني كتاب. وقد علل يوسف زيدان حريق المكتبة المزعوم بحجة سياسية، هي مواجهة "الفكر
الشيعي"
في الواقع، أولا، لم يكن هناك شيء اسمه
"المكتبة الفاطمية الضخمة" في زمن صلاح الدين لأنها كانت قد انتهت
وأصبحت مكتبة بائسة وصغيرة قبل قرن من دخول صلاح الدين الأيوبي مصر، لتعرضها إلى
النهب والسلب والتلف من قبل الجنود السودانيين والأتراك في مصر، إضافة إلى الكوارث
التي مرت بها مصر مثل الجوع والطاعون، ولم يبق من هذه الدار سوى مئة ألف كتاب، يوم
دخل صلاح الدين الأيوبي القاهرة
ولا نجد ذكرا لحرق المكتبة لدى ابن الأثير، خصم
صلاح الدين، المعاصر للأحداث، بل ذكر أنه "باع جميع ما فيه" (أي ما في
القصر)، وأكد المقرزي الشيء نفسه. ولم يذكر الحريق المزعوم أيضاً القاضي بهاء
الدين بن شدّاد ولا (المؤرخ الشيعي) ابن أبي طيّ المعاصر لصلاح الدين، ولا ابن
العماد الحنبلي، ولا ابن واصل الحموي. ولو أنها حدثت لعدها مناصرو صلاح الدين سببا
للفخر باعتبارها تحوي كتب "الزندقة" و"الضلال"، غير أن هذا
الحريق لم يقع.
كما اتهم صلاح الدين من قبل يوسف زيدان بممارسة
العزل الجنسي بين الذكور والإناث في الأسرة الفاطمية لكي ينقرضوا.
يمكن تفنيد هذه الكذبة الرخيصة بسهولة تماما
بالعودة الى ما كتبه ابن كثير في كتابة " البداية والنهاية عن أحداث سنة 738
هـ، أي بعد قرنين من سيطرة صلاح الدين على الحكم في مصر. إذْ يخبرنا ابن كثير أن
السلطان الناصر بن قلاوون أمر بترحيل احفاد العاضد، آخر الخلفاء الفاطميين ذاته!
تهمة التفريط بانتصار حطين مقابل المال
يتهم
د. جاسب الموسوي صلاح الدين بأنه "أخذ بيت المقدس بعد حطين الشهيرة ولكن بعد
7 أشهر فاوض الصليبيين ومنحهم يافا وحيفا وقيسارية وأراضي الساحل الفلسطيني
واللبناني كلها منحها للصليبيين ولم يتبقى للعرب المسلمين سوى عشر أراضي فلسطين
وأفرغ الخزينة لفقراء اليهود والمسيحيين ومنع الرافضة الشيعة من أي عطاء بل شردهم
في أصقاع الأرض"، وتهم أخرى بأنه مشبوه، لأنه تأخر في تحرير بيت المقدس ثم
منحه للصليبيين بثمن بخس، مشيرا إلى مصدره الكامل لابن الأثير الجزء 11، والذي وجد
علاء اللامي أنه يكذب كذباً صريحاُ في نقتطين: الأولى أن الجزء المشار اليه مخصص
للفهارس وليس به شيء من ما ادعاه، والأمر الثاني ان "هدنة الرملة" حدثت
بعد خمسة سنوات من معركة حطين وليس بضعة أشهر. كما أن نتائج تلك الهدنة بعيدة كل
البعد عن المعلومات التي ساقها د. جاسب الموسوي
كتب
حسن الأمين: "إن صلاح الدين لم يكد يطمئن إلى النصر الرائع في تلك المعركة،
حطين، حتّى أسرع إلى القيام بعمل لا يكاد الإنسان يصدّقه، (حيث) آثر الراحة بعد
العناء، والتسليم بعد التمرّد، فأسرع يطلب إلى الإفرنج إنهاء حالة الحرب وإحلال
السلام".. وتحدث عن أنه تنازل للصليبيين عن الكثير من المدن التي كان قد
استردها منهم بالحرب.. حيفا - يافا - قيسارية - نصف اللد، ونصف الرملة - عكا - صور
- وسوى ذلك، حتّى صارت لهم فلسطين إلاّ القليل، وتفاصيل أخرى كثيرة عن استعجال
المصالحة والإفراط في تسليم المدن والمكاسب.
أما
الحقيقة فهي أن التوقيع على صلح الرملة تم في حزيران عام 1192م، أي بعد خمسة أعوام
من معركة حطين وليس خمسة أسابيع أو أشهر، (كما ذكر) وهذا الصلح معاهدة هدنة لمدة
ثلاث سنوات وثلاثة أشهر كما تقول بنوده، بين صلاح الدين المنتصر في
"حطين" وعدد من الإمارات والممالك الصليبية على الساحل الشامي والتي لم
يستطع فتحها بعد تحريره لبيت المقدس مباشرة.
يكتب هادي العلوي عن مصادره التاريخية: "بعد الفراغ من القدس
وتحريرها، زحف صلاح الدين إلى صور وحاصرها مدة، ثم انسحب مع اشتداد البرد. وبعد
استراحة قصيرة في دمشق خرج صلاح الدين على رأس جيش إلى السواحل الشمالية فاستعاد
اللاذقية وجبلة مع قلاع وحصون كثيرة في تلك الجهات. لكنه عجز عن فتح أنطاكيا،
فاضطر الى قبول عرض بالهدنة لقاء الإفراج عن الأسرى المسلمين فيها. وعاد إلى دمشق،
فأقام فيها بضعة أيام – (بضعة أيام لا بضعة أشهر كما قيل!) - ليخرج بعد ذلك إلى
صفد التي تمكن من فتحها بعد حصار شديد. ثم أعاد الكرة على صور فاستسلمت هذه المرة
دون قتال. وبهذه العميات أنهى صلاح الدين الوجود الأوروبي في بلاد الشام، عدا
أنطاكيا وطرطوس التي بقيت في أيديهم ولكن تحت نفوذ صلاح الدين، وكان يخطط
لاسترجاعها حين مرض مرضته الأخيرة التي توفي بها سنة 589 هـ.
اتهامه بإسكان اليهود في فلسطين والتنازل عنها
للصليبيين وتشريد الشيعة
أما
اتهام صلاح الدين ببدء الاستيطان اليهودي في فلسطين ومصر واعتباره بداية لقيام
دولة إسرائيل كما يقول خالص الجلبي فهو اتهام مضحك وسخيف تنفيه وتسفهه حقيقة أن
التقديرات الصهيونية التاريخية تقول إن عدد اليهود في فلسطين في أوائل القرن
السادس عشر لم يتجاوز خمسة آلاف، ومعظمهم قدم من اسبانيا بعد طرد اليهود منها في
أواخر القرن الخامس عشر (الموسوعة الفلسطينية)، وأنه وبعد ألف سنة على حكم صلاح
الدين (1914) لم تتجاوز نسبة اليهود من إجمالي سكان فلسطين 8% حسب وثائق الدولة
العثمانية آنذاك. فأين
ذهب اليهود الذين استوطنهم صلاح الدين، علما بأن وجود اليهود بتلك النسب الصغيرة
كان مؤكدا طوال عصور ما قبل صلاح الدين وما بعده؟ والحقيقة هي أن صلاح الدين
استجاب لطلب طبيبه الخاص موسى بن ميمون القرطبي وهو يهودي أندلسي بالسماح له
ولمجموعة من ذويه بالإقامة في فلسطين. وقد عاد بن ميمون نفسه وعاش في مصر ومات
فيها!
القول
إنه منع العطاء عن الشيعة وشردهم خلال فتوحاته في فلسطين فهو محض هراء، فمن قام
بالتهجير والتشريد هم الصليبيون، وشمل ذلك الشيعة وغيرهم في فلسطين. أما بالنسبة
لشيعة مصر فقد تعرض الكثيرون منهم فعلا للقمع على خلفية الثورات والانتفاضات
الفاطمية المسلحة كما أسلفنا وهو ما كانت تقوم به جميع الدول المسلمة وغير المسلمة
آنذاك دون استثناء، وليس من العلمي أن نسقط مفاهيم عصرنا على ظواهر وأحداث وقعت
قبل ألف عام او يزيد فندين عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب لأنهما لم يسمحا
بانتخاب برلمان آنذاك ولا سمحا بتشكيل نقابات وأحزاب!
أما منح صلاح الدين العطاء للمسيحيين واليهود
بعد معركة حطين فإن الحقائق التاريخية تقول عكس هذا تماما فهو أخذ الفدية (حسب
درجة الثراء لكنها شملت الجميع) حتى فقراءهم. وعلى هذا عاتب الراحل هادي العلوي
صلاح الدين.
أما
اتهام صلاح الدين بالتنازل عن فلسطين للصليبيين فهو اتهام لاعقلاني تماما، إنما
الاتفاقات والمهادنات تعقد في كل الحروب.
وحقيقة
الحال هنا أن صلاح الدين لم يكن بمقدوره إنهاء الحروب الصليبية التي انتظمت في
موجات متلاحقة، ولم تكن الخسائر البشرية الهائلة التي ألحقها بها صلاح الدين، تؤثر
فيها.
وتفضح
بنود صلح الرملة الموثقة، المشنعين على صلاح الدين حيث كان من بنود الاتفاق أن
تتوقف الحرب بين الطرفين لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وعلى أن يكون للصليبيين
المنطقة الساحلية من يافا وقيسارية وحيفا وأرسوف وما عدا ذلك يبقى بأيدي المسلمين
بما فيها بيت المقدس، كما نص الاتفاق أن للمسيحيين حق الزيارة بدون حمل سلاح.
اتهامه بفصل الفاطميين لقطع نسلهم
كتبت عن هذا:
تخيل نفسك
صلاح الدين الأيوبي، وأنك "احقر شخصية في تاريخ البشرية" كما يقول يوسف
زيدان، وتريد أن تضع خطة للقضاء على نسل مجموعة من الناس. ما هي الحلول التي تمر
بخاطرك؟
1-
أن تقتلهم جميعا وتنتهي من الموضوع (وهذا ليس صعباً اخلاقياً في ذلك الزمان).
2- إذا صعب
هذا الأمر فيمكنك ان تكتفي بقتل الذكور وينتهي من الأمر.
3- اسهل من
الأثنين ان يتم خصي الذكور، وهي طريقة معروفة ومتبعة للحصول على العبيد القائمين
على خدمة النساء!
لكن حتى
هذا الحل كان كما يبدو صعباً على ضمير "أحقر شخصية في تاريخ الإنسانية"،
فقرر فصل الذكور عن الإناث فقط! وهذا يجعلنا نشكك ان حصوله على ذلك اللقب كان فيه
غش، أمام منافسين من أمثال من هجروا شعوبا واستوطنوا بلدانهم وآخرين أبادوا شعوبا
بشكل كامل، أو الئك الذين اختاروا وسط المدينة في بداية الدوام، ليلقوا قنابلهم
النووية. المشكلة ان الإشارة إلى هؤلاء لا تجعلك ضيفاً على الفضائيات ولا مرشحاً
لجائزة نوبل!
الخطة "الغبية" المنسوبة إلى الرجل الذي حير جيوش الغرب، تعني أنه لم
يفكر انه سيموت يوما، وأنه من المحتمل جدا ان يسمح من سيأتي بعده لسجنائه
بالاختلاط بعد ذلك وتذهب كل جهوده هباءاً. والحقيقة هي انهم تناسلوا، حتى الأمراء
منهم، كما يبين علاء اللامي ادناه، وأن القصة كلها سخيفة بشكل لا نفهم كيف يمكن ان
يصدقها احد.
يبدو ان
صلاح الدين لم يكن يستحق اللقب الذي منحه له زيدان، بل ان زيدان يجب ان يمنح لقب
أغبى إنسان في التاريخ!
.
عن هذا كتب علاء اللامي:
اتّهم
يوسف زيدان صلاحَ الدين، في فيديو راج على مواقع التواصل الاجتماعيّ، بممارسة
العزل الجنسيّ بين الذكور والإناث في الأسرة الفاطميّة لكي ينقرضوا، فلا
يظهرَ له مُطالبٌ بالعرش مستقبلًا. فما حقيقة هذا الاتّهام؟ يمكنُ تفنيد هذا الزعم
بالعودة إلى ابن كثير في البداية والنهاية، أحداث سنة 738 هـ، أيْ بعد قرنيْن من
سيطرة صلاح الدين على الحكم في مصر وإنهائه الحكمَ الفاطميّ. إذْ يخبرنا أنّ
السلطان المملوكيّ الناصر بن قلاوون أمر بترحيل عليّ ومحمّد، ابنيْ سليمان بن داود
بن سليمان بن الخليفة العاضد، آخرِ الخلفاء الفاطميّين؛ أي إنّنا إزاء أربعة أجيال
من نسل آخر الخلفاء الفاطميّين العاضد!
ويقول
المؤرّخ رائد السمهوريّ، وهو على حقّ، إنّ العاضد، بحكم كونه آخرَ الخلفاء
الفاطميّين، أَوْلى أن يُقطعَ نسلُه، فضلًا عمّن هو دونه. وقد مات العاضد وعمرُه
إحدى وعشرون سنة، فكان ينبغي ــــ لو أريد قطعُ نسله فعلًا ــــ أن يَكبر ابنُه
سليمان ولا يعقِّب؛ فكيف وُلد أحفادُ العاضد وأبناؤهم وتناسلوا لو كان صلاح الدين
عزل رجالَهم عن نسائهم، كما زعم يوسف زيدان؟ أعن طريق أطفال الأنابيب يا ترى؟!
ولكنْ
من أين جاء زيدان بهذا الزعم؟ أرجّحُ أن يكون قد قرأ ما كتبه محمّد بن عليّ
الصنهاجي في كتابه أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم، مع أنّ الصنهاجي نفسَه لم يقل إنّ
صلاحَ الدينِ عزل ذكورَهم عن إناثهم، بل كتب في الصفحة الأخيرة من كتابه المضطرب
والقليل الصدقيّة: "وتتبّع بني عبيد " يقصد الفاطميين كما يسميهم
خصومهم" ، فمن عثر عليه سَجن بدار القاهرة بقيّتهم فيها إلى اليوم، وهو سنة
617، فكانوا يتناسلون. ثم مُنعوا النكاحَ لينقطع النسلُ ويذهبَ الفرعُ
والأصل."
وهذا
يعني أنّ الفاطميّين كانوا يتناسلون حتّى العام 617 (وصلاح الدين توفّي سنة 589
هـ). فهل يقصد الصنهاجي أنّهم مُنعوا من النكاح بأمر من سلاطين مصر الأيّوبيّين
بعد وفاة صلاح الدين، وهو ما لم يرِدْ في أيّ مصدر تاريخيٍّ آخر؟
أمْ
يقصد أنّهم توقّفوا تلقائيًّا عن الإنجاب؟ الأرجح أنّه قصد الأمرَ الأخير، بدليل
خبر نفيهم في عهد قلاوون بعد قرنين من عهد صلاح الدين. وعمومًا، فالصنهاجيّ، كما
ذكرنا، قليلُ المصداقيّة، وهو يورد الخبرَ ونقيضَه في كتابه أحيانا؛ ومن ذلك
إيرادُه لتهمة أنّ صلاح الدين دسّ السمَّ للعاضد، ثم نفاها في الصفحة نفسها. وربّما
يكون قد ذكر ذلك من باب إدراج ما يُتداول من شائعات شفاهيّة لا أصل لها في عصره.
فقد كانت الأسرة الفاطميّة قليلةَ الذرّيّة أساسًا، حتّى إنّهم اضطرّوا إلى
استخلاف عبد الله العاضد، وهو صبيٌّ صغيرٌ لم يتجاوز التاسعة. ولم يكن الذكور
كثيرين؛ وفي هذا يقول ابنُ كثير (كما يقتبس السمهوريّ عنه): "والفاطميّون
قليلو العدّة... لكنّهم مُدّ لهم في المدّة، فملكوا بضعًا وستّين سنة من بعد مئتين
فكانت كالسِّنَة [أي الغفوةِ القصيرة].".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق