النظام
الرأسمالي خطر على صحة المواطن الأمريكي
نادية
عدنان عاكف
عام 2015 قام رئيس شركة تورينغ
فارماسيتوكال، وهي شركة ادوية صغيرة غير معروفة، برفع سعر احد الأدوية اكثر من
4000% بين ليلة وضحاها. الدواء يسمى دارابريم، وهو يعالج مرض داء المقوسات، وهو
مرض خطير يمكن ان يؤدي الى الموت ان لم يعالج. الدواء كان متوفرا في الأسواق منذ
الخمسينات، وكان سعر الحبة الواحدة حوالي 13.5 دولار. قام مارتين شكريلي بشراء
حقوق الدواء من الشركة السابقة التي كانت تشرف على بيعه، ورفع السعر فجأة الى 750
دولارا للحبة الواحدة.
هذا الأمر احدث ثورة في الإعلام وعلى
المستوى الشعبي، لفتت نظر كبار المسؤولين وقتها. حيث ان السعر الجديد يعني
للكثيرين الحرمان من الدواء الذي يعتمدون عليه بشكل كامل، فحتى لو ان الشخص يملك
تأمينا صحيا، تكلفه حبة الدواء بالسعر الجديد 150 دولارا، وهو ما لا يقدر عليه
المواطن الامريكي العادي. مع العلم ان سعر الحبة نفسها في اوروبا هو 66 سنتا (اقل
من دولار)!. وسائل الإعلام ضجت بالموضوع، برني ساندرز مرشح الرئاسة طالب بتقديم
شكريلي الى المحاكمة، هيلاري كلينتون زمجرت على صفحتها في تويتر مستنكرة التصرف
غير المقبول وجشع شكريلي ووعدت بتقديم مشروع قانون ينظم عمل شركات الأدوية ويمنعها
من التصرف بمصير الناس بهذا الشكل غير المسؤول.
رد فعل شكريلي كان غاضبا وغير محترم.
حيث سخر من بعض الصحفيين الذين وجهوا له اتهامات بالجشع، وطالبوه بالإجابة عن
أسئلة الناس حول الموضوع، واتهمهم بالغباء وأنهم ليسوا ذي اهمية. بل انه سخر من
اعضاء الكونغرس ورفض الإجابة على اسئلتهم واتهمهم بالبلاهة. ثم ظهر على شاشات
التلفزيون مبررا الرفع الحاد في الأسعار بأن السعر القديم (والذي التزمت به الشركة
السابقة لعقود من الزمن) لم يكن يحقق اي ارباح، وان شركته تريد ان تستخدم المبالغ
التي ستحصل عليها في تنشيط البحث العلمي حول مرض المقوسات، وللبحث عن دواء اكثر
نجاعة. بل انه ابتسم ابتسامة ساخرة قائلا "يمكن ان تعتبروا الأمر ايثارا من
قبلنا، نحن نفكر في هؤلاء الزبائن ومستقبلهم، ونبحث لهم عن دواء افضل"!!
سلوك شكريلي المستفز جعله احد اكثر
الأشخاص المكروهين في امريكا. ولكن بعيدا عن هذا اللقب الذي اكتسبه بجدارة، ماذا
كانت نتيجة الضجة الشعبية والتحرك السياسي؟ ما هو سعر حبة الدواء اليوم؟ بعملية
بحث بسيطة اكتشفت ان سعر حبة الدواء لا زال اليوم 750 دولارا، وهو ما يعكس حقيقة
النظام الرأسمالي الأمريكي الذي يترك حرية تحديد أسعار الأدوية لشركات الأدوية
والمنافسة المفتوحة بينها. انه نظام مبني على حماية الجشع وتجاهل المواطن العادي
ومتطلباته وحقوقه. في كل مرة تقدم شركة ادوية منتوجا جديدا بسعر عال جدا، او ترفع
من سعر منتوج قديم بشكل مفاجئ وجشع، تحصل ثورة عارمة في الإعلام، يتم استعراض قصص
الضحايا الأبرياء من المرضى الذين يحكم عليهم بالموت او الإفلاس لعدم قدرتهم على
تحمل سعر الدواء، يخطب السياسيون منددين متوعدين، لكن هذه الموجة الإعلامية سرعان
ما تخبو وتموت، وسعر الدواء الجديد يبقى على حاله لا يستطيع احد المس به.
الباندازول دواء اخر يكلف اسعارا
خيالية، يعالج مرض عدوى الدودة الشريطية. الحبة منه تكلف 300 دولار امريكي، ويجب
ان يؤخذ مرتين في اليوم لمدة شهر كامل. طبعا المواطن الأمريكي ليس لديه القدرة على
دفع هكذا أسعار. علبة من نفس الدواء تباع في المكسيك الجارة الجنوبية للولايات
المتحدة ب19$ وتحوي العلبة عشر حبات!!!
أسعار الأدوية في الولايات المتحدة
تزيد عن أسعارها في بريطانيا بمعدل 3 اضعاف، وعن مثيلاتها في البرازيل ب6 اضعاف،
وب 16 ضعفا في الهند! الفرق بين هذه البلدان هو ان الولايات المتحدة تترك مهمة
تحديد الأسعار للشركات والمنافسة بينها، في حين تتحكم الدولة في البلدان الأخرى
بشكل مباشر او غير مباشر بالأسعار. ففي حين كان ارتفاع المواد الاستهلاكية في
الولايات المتحدة بمعدل 11% بين عامي 2008 و2014، ارتفعت معدلات اسعار الأدوية
127% في نفس الفترة. بينما شهدت الدول الأوربية انخفاضا في اسعار الأدوية في
الفترة ذاتها بسبب الأزمة الاقتصادية وتداعياتها.
برني ساندرز مرشح الرئاسة الإشتراكي
انتقد مرارا في جميع خطاباته شركات الأدوية، والنظام الصحي الأمريكي، داعيا الى
تأسيس نظام اكثر عدلا ورحمة، واقل جشعا. يقول في احدى منشوراته على صفحته في
الفايسبوك "إن طمع صناعة الأدوية ليس له حدود. نظامنا الصحي ليس مبنيا على
فكرة انقاذ ارواح المواطنين، انما هو مبني على زيادة ارباح شركات الأدوية
والمؤسسات الطبية بأكبر قدر ممكن". وكتب في مناسبة اخرى "إن طمع شركات
التأمين يشكل خطرا حقيقيا على ارواح المواطنين الأمريكيين. إن نصف المصابين بمرض
السكري يضطرون الى تقليل استخدامهم للأدوية لأنهم لا يستطيعون تحمل كلفتها. علينا
ان نمرر قوانين تحمي المواطن وتوقف التلاعب بالأسعار"
نشرت المقالة على صفحة Nadia Adnan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق