تستعر بين الحين والآخر في الفترة الأخيرة مناقشات تشكك بحقيقة المسجد الاقصى ورمزيته الإسلامية، يقودها د. يوسف زيدان وآخرون، وفي هذه المقالة يرد الباحث علاء اللامي على تلك التشكيكات بالشواهد التاريخية، ويكشف اصلها ومن اين انطلقت
د. يوسف زيدان يبدو في السنوات الأخيرة "كأنه يخوض حملة
ممنهجة لنشر رأيه الخطير" حول انكار فلسطينية بيت المقدس وعروبته وإسلاميته، ولا غرابة، فهو صاحب مقولة «الحرب بيننا وبين اسرائيل لا معنى لها»، وهو الذي برّأ الدولة
الصهيونية من مجزرة صبرا وشاتيلا بقوله «بما أن المجزرة ارتكبها حزب الكتائب اللبناني،
فليس هناك سبب لإلقاء اللوم على وزير الدفاع الإسرائيلي شارون»، وليس انتهاءً
بإنكاره لوجود بيت المقدس بقوله «ما يقال عن القدس ليس إلا خرافة، وما فيش حاجة
كده... فلا بيت مقدس ولا قدس شريف ولا إسراء ولا معراج من القدس. والإسراء جاء في
ليلة كان فيها الرسول حيران فسرى ليلاً من مكة إلى الطائف وكان في الطريق مسجدان
أحدهما الأدنى والثاني الأقصى، وهو المقصود في الآية الكريمة، وليس أقصى القدس
الذي بناه عبد الملك بن مروان في سنة 62 هجرية». كما اقتبس كلامه هذا علي الصالح
في مقالة له حول الموضوع، حتى استحق زيدان أن توجه له سفارة الدولة الصهيونية في
مصر كتاب شكر وتقدير لجهوده «العلمية»!
لم تكن النسخة
الأصلية من هذه الفرية المفبركة من ابتكار يوسف زيدان، بل سبقه إليها مستشرقون
صهاينة أو ذوو ميول صهيونية في «إسرائيل» وخارجها. وكان الكاتب المصري محمد عمارة
قد وثق جيّداً هذه الفرية وكتب بخصوصها «إن ما جاء به زيدان مصدره وثيقة كتبها
مؤسس ما تسمى رابطة الدفاع اليهودية دانييال بايبس، ونشرتها مجلة الأهرام في أبريل
1999. وتستند الوثيقة إلى أنه عندما نزلت الآية ــ الخاصة بالإسراء ــ لم يكن هناك
مسجد جامع اسمه الأقصى». ويضيف الصالح «وهذه الشبهة، يقول عمارة، مردها عدم الفهم
لكلمة مسجد. فالرسول أسري به من المسجد الحرام، لم يكن نائماً ولا مقيماً في
المسجد الحرام، كان مقيماً في مكة، أي أسري به من الحرم المكي إلى الحرم القدسي.
القراءات لم تتحدث عن بناء أو جدار أو شبابيك اسمها المسجد الحرام، أو الاقصى، بل
تحدثت عن الاسراء من الحرم المكي، لأن كل مكة حرم، إلى الحرم القدسي في القدس».
وأما عن وجود الأقصى في مكان بين مكة والطائف في السعودية، يضيف عمارة، فإن هذا
الكلام ردده في يوليو 2009 مردخاي كيدار، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة «بار
إيلان» الإسرائيلية، في محاضرة في الكنيست قال فيها «إن القدس يهودية وعلى
المسلمين أن يحملوا أحجار قبة الصخرة ليبنوها بمكة، فالمسجد الأقصى مكانه
«الجعرانة» بين مكة والطائف». ويوضح عمارة أن كل من كتب عن الإسلام وتاريخ الإسلام
يجمع على أن أول مسجد بني في الإسلام هو مسجد قباء على مشارف المدينة، وأن مسجد
الجعرانة بناه الرسول وأحرم منه للعمرة عام 6 هـجري، أي بعد الإسراء، ونزول آيته
بنحو عشر سنوات. ولم يكن التشكيك في المسلمات الاسلامية المقدسية فقط سوى المدخل
الذي أراده الدكتور الاديب يوسف زيدان من أجل التشكيك في مجمل قواعد وأسس وركائز
القضية الفلسطينية.
يرى د. حسام
الدين عفانه أن كلَّ ما ذكره يوسف زيدان عن مكان المسجد الأقصى، ما هو إلا تكرارٌ
لما قاله بعض المستشرقين اليهود وغير اليهود من ذوي الميول الصهيونية، ومنهم
الباحث اليهودي أهارون بن شيمش مترجم القرآن إلى اللغة العبرية، ومردخاي كيدار،
ويهودا ليطاني، وإسحق حسون، والباحثة حوا لاتسروس يافه التي كتبت بحثاً أكدت فيه
أن المسجد المذكور في آية الإسراء قد فُهم منذ البداية أنه مسجدٌ بعيدٌ قصيٌ
سماوي، ولم يُقصد منه ذلك المسجد الذي لم يُقَم في القدس إلا زمن الأمويين. ودعمت
لاتسروس فكرتها بمقال كتبه جوزيف هوروفيتش حول الموضوع نفسه أكَّد فيه أن المسجد
الذي عنته آية الإسراء، إنما هو مصلىً سماوي يقع في القدس السماوية العليا. ويذكر
د. عدنان إبراهيم في أحد ردوده على د. يوسف زيدان، أن الباحثة الإسرائيلية يافه
استدركت فكتبت لاحقاً «لا نستطيع أن نشكك في قدسية بيت المقدس عند المسلمين منذ
الأيام الأولى للإسلام»، أي إنها تحترم قدسية بيت المقدس عند المسلمين، على العكس
من زيدان
(يفند الباحث علاء اللامي في هذه المقالة ايضاً، ما جاء في كتاب «جغرافيا التوراة في جزيرة الفراعنة»، للباحث المصري أحمد عيد، عن رحلة الحاجة إيثيريا إلى الأرض المقدسة التي يعتقد أنها في اليمن، ويبين أن مصادره لا قيمة لها وأنه أخطأ حتى بالأسماء وتوثيقها)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق